-A +A
حوار: بدر الغانمي تصوير: طارق محمود ـــ «عكاظ»

لم أجد كاتبا تسري في عروقه حمى الكتابة كما وجدتها لدى الطبيب القاص عصام خوقير الذي اقترب من إكمال عقده التسعيني وما زال ينتظر آفاقا رحبة وتأشيرة عبور.. الرجل الذي غلبت هوايته على وظيفته، شكل في مرحلة السبعينيات والثمانينيات الميلادية ظاهرة ثقافية برواياته الشعبية ولهجته الحجازية، وأناخت الإذاعة السعودية رحالها عند قصصه اليومية، توقف عن الركض لجرأته وصراحته التي أعجبت البعض وأغضبت البعض الآخر.. قال لي متألما: «تصور أن القلم يستتيبني من الكتابة كلما نظرت إليه، وشعرت بظلم ذوي القربى عندما وصلتني رسالة اعتذار عن النشر مع الشكر من صحيفتي التي كنت أحد مؤسسيها».. وصف لي بسخرية كيف سرقت مكتبته بصورة حضارية، وروى لي بغضب كيف بترت أعماله وشوهت على شاشة التلفزيون. عصام خوقير الذي لا تفارقه الابتسامة نظر إلي ضاحكا وقال: تصور، ما زالت شياطينهم حاضرة فيما تنتظر روايتي (الشيطان في إجازة) إجازتها للنشر منذ ثلاثة عقود.. حاولت إخراجه من دائرة المدافعة إلى محطة البدء ففهم قصدي وجاملني برسم معالم طفولته قائلا: لم تكن طفولتي إبداعية فقد عشت طفولة عادية. والدي كان عضوا في مجلس الشورى وله دخل جيد، صحيح أننا لم نعش في سعة، لكن في الوقت نفسه لم نعش في ضيق، خصوصا أن مجتمعنا في السابق كان مترابطا والكل يخدم غيره، قرأت كل شيء يقع تحت يدي، وفيما كان بعض الأباء يغدق على أبنائه بالهدايا بعد النجاح كان والدي يحتفي بي على طريقته؛ فبعد انتهائي من المرحلة الابتدائية سلمني -رحمه الله- كتاب المعلقات العشر وطلب مني أن أحفظها في أشهر الإجازة الأربعة، فكان لهذا المناخ والبيئة الثقافية أثرهما في المخزون الثقافي الذي تشكل بسبب تعليم تلك الفترة والذي كان يركز على الجانب الأدبي والشعر والنثر، ولم نعرف الجانب العلمي إلا من خلال التكية المصرية التي كانت تمارس دورا إصلاحيا وفيها مجموعة من الأطباء يعالجون الناس مجانا، ثم عرفنا الكيمياء وعلم الطبيعة والرياضيات عندما فتحت مدرسة تحضير البعثات وضمت عددا من الأساتذة المتخصصين من بعض الدول العربية وأستاذنا عبدالله عبدالجبار وأستاذي الخاص أحمد السباعي -رحمه الله- وكتبه التي أصدرها ومنها (القراءة الرشيدة)، وكانت نفوسنا تسعد بصحف ومجلات مصر ولبنان التي يأتي بها الإخوة الأصدقاء صالح وأحمد محمد جمال -رحمهما الله- في مكتبة الثقافة وتعرفنا إلى طه حسين وإيليا أبوماضي وعندما خرجت قصيدته (جئت لا أعلم ولكني أتيت) تبادلنا نسخا مصورة من القصيدة بيننا كطلاب في مدرسة تحضير البعثات وأتذكر أن المدير أحمد العربي راقب خروجي ودخولي من الصف فأوقفني وعندما وجد في يدي ورقة القصيدة تبسم وذهب عنه الغضب وأعادها لي قائلا «بارك الله فيك» فهذا الدافع له دور في تكويني الثقافي، ولا أنسى أيضا حرصي على قراءة كتب وروايات إحسان عبد القدوس الذي يرى الكثيرون أن كتاباته تتجاوز حدود الطرح الأخلاقي ولا تليق بمجتمع محافظ، فيما كنت أرى في رواياته التنبيه بمخاطر الانحراف، وفي تصوري أن هذا المخزون ظل حبيسا طيلة سنوات دراستي الطب وخرج بعد ذلك رويدا رويدا أسوة بمن سبقني من الكبار الذين غلبتهم هواية الأديب على عمل الطبيب كيوسف إدريس وتشيكوف أستاذ القصة القصيرة ومعلمها والشاعر إبراهيم ناجي ومصطفى محمود ومحمد علي البار وعبدالله مناع وغيرهم.



التلفـزيـون شـوَّه أعمــالي وتغييب المســرح كسـرٌ للحـركــة الثقـافيـة







• إضافة إلى المجالس الثقافية في مكة؟

ــ لم يكن المجتمع ناضجا لهذه الدرجة، لكنني أتذكر أنني وزملائي في الفصل الدكتور مصطفى طيبة والشاعر عبد القادر جان كنا من المعجبين بالثقافة والأدب والكتب الفرنسية المترجمة، فقررنا نحن الثلاثة إذا سافرنا للابتعاث أن ندرس اللغة الفرنسية، وكنا نذهب سوية إلى المقاهي الشعبية التي أنشئت بالقرب من بركة ماجد في المسفلة في جنوبي مكة؛ لنسمع عن قرب ما يدور في المجلس الثقافي المبسط الذي يحضر فيه حمزة شحاتة وعبد الله عبد الجبار وعزيز ضياء وقد أفادتنا هذه الجرعات كثيرا قبل ذهابنا إلى القاهرة.

• لكنك اخترت الطب في القصر العيني وتركت الأدب والثقافة؟

ــ لم تكن رغبتي الطب في البداية، لكننا فوجئنا بأن المسؤولين في مديرية المعارف يطلبون أن يلتحق الأربعة الأوائل في تحضير البعثات بالطب لحاجة البلد لهذا التخصص، ووضعوا شرطا صارما بأن من لا يرغب في ذلك فعليه العودة إلى الوطن وجزاهم الله خيرا على ما فعلوا فقد كان لهذا الشرط دوره في قبولنا؛ لأننا كنا نرغب في الابتعاث أصلا والسفر خارج المملكة ولو طلبوا منا أن ندرس -كما كان يقول الدكتور مصطفى طيبة- (جهالوجيا) فلا مانع لدينا وبقيت لمدة سنتين درسنا فيها السنة التحضيرية ثم سنة في الطب البشري، ثم حدثت تطورات سياسية استدعت إقفال الجامعة فعدت إلى مكة المكرمة لمدة ثلاثة أشهر ووجدنا الأسر تحتفي بنا وتنادينا بلقب (دكتور) ونحن لم نفك الحرف بعد، وفي أثناء تواجدي عانت إحدى قريباتنا من أسنانها فوالدي -رحمه الله- من شدة احتفائه وفخره بولده الطبيب طلب مني علاجها فحاولت أن أوضح له الأمر لكنه لم يقتنع فوجدت نفسي على المحك وسمعتي في الميزان فقررت المجازفة وكشفت على الفتاة وعمرها 11 سنة التي تعاني من نزيف دموي وأطباء، وزارة الصحة طلبوا خلع أسنانها فلم أجد بدا من استخدام طريقة الفهلوة التي يتبعها الإخوة المصريون فاستخدمت ما كانوا يسمونه زمان بـ(الفركتة) لربط الشعر وسخنتها في النار وبدأت بإدخالها بين ضروس الفتاة فوجدت رواسب ملحية متكلسة بين أسنانها فعملت لها تنظيفا شاملا على أمل أن يتوقف النزيف وأخلص من هذه الورطة، وبعد أن انتهيت طلبت من أهلها إحضارها في اليوم الثاني لعل وعسى يتحسن وضعها، وفعلا قدر الله وتحسنت حالة الفتاة وجاء أهلها في اليوم الثاني سعداء ومبسوطين، وبعد مضي أسبوع انتهت كل آلامها فهذا الموقف أشعرني بالسعادة أيضا وصممت عند العودة إلى القاهرة على الالتحاق بكلية طب الأسنان التي لا يذهب لها في تلك الأيام إلا الأقلية، وهكذا كان وقد وجدت من أول طبيب أسنان سعودي الدكتور عبد اللطيف جمجوم -رحمه الله- الذي سبقني في كلية الأسنان العون والمساعدة.

• لماذا عملت في الصحة المدرسية بعد عودتك من القاهرة وليس في وزارة الصحة؟

ــ ربطتني علاقة ممتازة بوكيل مديرية المعارف الذي ساعدني في الابتعاث ناصر المنقور -رحمه الله- وعندما عدت كان الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ وزيرا للمعارف، فاقترح علي أن أعمل معه في الصحة المدرسية، ومن باب العرفان لأشخاص أحبهم وبيني وبينهم ألفة فقد قبلت.

• ألم تكن لك انتماءات في فترة صعود المد القومي وتنامي الحراك السياسي في مصر؟

ــ انشغلت بدراستي كثيرا، لكنني تعاطفت مع مطالب المتظاهرين في الشوارع الباحثين عن حقوقهم، وأنا دائما ضد سياسة الكبت، وعندما كنت مسؤولا عن صحيفة الحائط في دار البعثة في مصر التي اختاروني سكرتيرا تحريرها وساعدني في إعدادها أحمد زكي يماني عن هذا الموضوع وكنا نزور دور الصحافة المصرية، حدث أن زرنا مؤسسة أخبار اليوم في بداية إنشائها وقابلنا مصطفى أمين -رحمه الله- وقمنا بتعريف أنفسنا فعندما قلت له اسمي التفت الي وطلب مني الاقتراب منه لأنني من وقع طلب الزيارة، وقال لي: أريدك أن تتعلم شيئا «اليد التي لا تستطيع أن تدوسها بوسها» فأبديت له اعتراضي على قوله، فقال لي: أقصد كن حريصا على ألا تخسرها. وحدث أن زارنا وفد في دار البعثة وكان المسؤول عنها أستاذي عبد الله عبد الجبار فقلت تعليقا على كلامه وقراءته لم يعجبه فناداني بعد خروج الوفد وهزأني، فقررت أن أردها له وأصدرت الصحيفة الحائطية بيضاء دون أي موضوع وكتبت عليها «هذا العدد لمن لا يحسنون القراءة» فوجدت الصحيفة لها صدى بين الطلبة واعتبرناها جميعا دفاعا عن حق القول.

• متى كتبت أول مسرحياتك ؟

ــ المثل البلدي يقول: «أول العصيدة موية» وأول عمل مسرحي كتبته كانت مسرحية بعنوان (الليل لما خلي)، ثم توالت مشاركاتي في الإذاعة من خلال برنامج (بسمات) الذي كان يقدمه المرحوم أمين سالم رويحي وبعد وفاته طلب مني أن أكتب تمثيليات البرنامج، فكتبت لمدة شهرين بشكل يومي، لكن وقتي لم يكن يسمح لي بالاستمرار في التأليف يوميا فتوقفت.

• لماذا تركز على اللهجة الحجازية في رواياتك؟

ــ لكي يشعر القارئ بمصداقية أكثر في الشخصية الروائية بعيدا عن تكلف اللغة وكمثال لو تحدث السقا أيام زمان فهل من المعقول أن يقول: معذرة سآوي إلى مكان قريب أو يقول بلهجته العامية: أعذرني يا عمي أنا رايح ارتاح.. وهكذا في القصص أيضا فالصدق والمباشرة من الواقع يجعلها أقرب الى القارئ من التنميق والمبالغة في استخدام الكلمات الفصيحة.

• واللغة الساخرة؟

ــ هي نوع من الفضفضة لإسعاد الناس والبعد عن الهم والغم، وقد ساعدتني هذه الطريقة على تمرير رسائل من خلالها، وأن كنت لم أنج من ثورة الشاعر الساخر أحمد قنديل بسبب تعرضي له في أحد موضوعاتي وإن كنت قد اعتذرت له فكتب في اليوم التالي بما معناه «نفس عصام سودت عصاما وعلمته الكر والإقداما».

• قلت إنك لم تتأثر بأحد من رواد القصة المحلية، فاعتبرها البعض غرورا ومبالغة في تمجيد النفس؟

ــ قرأت لكل أو معظم رواد القصة؛ سواء عندنا أو من الجوار ولكن ليس نوعا من التفاخر أو التباهي أني أقول لم أتأثر، لكن أحمد الله ربنا أعطاني قدرة على أن أبين.. خلق الإنسان علمه البيان.. أكثر ما تأثرت به في النسق القصصي أو مشروع القصة بصراحة وليست مجاملة أو استرضاء لبعض المشاعر كان القرآن الكريم. هذا صحيح والمشكلة أنك لو أخذت بملمح من ملامح أحدهم أوفكره لغضبوا وقالوا: سبق لفلان كتابتها، كما أنني أكتب لمن يحب أن يقرأ لي لا من يجاملني من أجل فلان أو علان.

• مع أن البعض يقول إنك متأثر بالمدرسة المصرية؟

ــ يعجبني أسلوب مصطفى وعلي أمين في التمرير والكتابة.

• اللي يسمعك يقول إنك لاعب كرة كبير؟

ــ المرة الوحيدة اللي رحت فيها الملعب قبل 30 سنة بدعوة من بعض الأصدقاء حدثت لي مشكلة فقد قفز الشخص المجاور لي في المقعد غاضبا وقال لي: يا أخي ماعرفنالك، إنت بتشجع مين؟، فقلت له أنا مع اللعبة الحلوة دون النظر لأي فريق، فنظر إلي شزرا، ويبدو أنه متعصب لأحد الفريقين، فلم يعجبه كلامي، والحمد لله كانت تلك المباراة آخر عهدي بالملاعب.

• لماذا لم تمرر رواياتك من خلال ممثلين شعبيين من محبي اللهجة الحجازية مثلا؟

ــ لا مانع من ذلك إذا أتى من يطلبها مني ودون مقابل مادي أيضا، ولكل منتج أعجب بها فله الحق في توظيفها كما يجب.

• الملاحظ عدم تفاعلك مع القضايا العربية والإسلامية في رواياتك، لماذا؟

ــ أعترف أني لم أطرق هذا المجال وقد يكون قصورا في إمكانياتي، لكنه سيعرضني لمؤاخذات لها أول وليس لها آخر واسأل من كانوا قبلي.

• استخدمت عناوين مثيرة مثل (هجرة الزوجات) و(الشيطان في إجازة) في رواياتك وكأنك تقصد التقليل من شأن المرأة؟

ــ أبدا، هذه عناوين استخدمتها مثل صائد السمك أشبه ما تكون بالطعم بالنسبة للقراء، وحرصت أن تكون من النوع الخفيف زي ما بيسموه أدب المسرح الفالس أو الفنتازيا بالعربي والكوميديا الخفيفة حتى إذا انتهى من قراءة عند آخر سطر تكون وضعت على شفتيه ابتسامة بعد التقلص الرهيب الذي نعيشه الآن في مشوارنا اليومي فلهذا كانت الحاجة إلى ابتسامة أو ضحكة أو نكتة.

• يقال إن كل أعمالك تصلح لتكون درامية لو وجدت لدينا حركة مسرحية؟

ــ أعتقد أنه كلام واقعي إلى حد كبير، فكل رواياتي تعطي صورة للمجتمع وصالحة لذلك، ولوقلنا إن غياب الحركة المسرحية سبب في إهمالها فهل يحق للتلفزيون أن يعرض عنها أيضا مع الأسف الشديد.

• مع أنك عاتب عليهم؟

ــ هذا دورهم أصلا ولكن عدم وجود سيناريست جيد لديهم كان سبب في تشويه رواية (السعد وعد) التي خرجت للشاشة ولم أعرفها لكثرة ما أحدث بها من بتر وتغيير فظهر العمل ضعيفا وركيكا، وفهم المشاهدون شيئا مختلفا عما كتبته وقصدته مع أنهم أعطوني أجرها، لكنني كنت مثل الأب الذي لا يعرف ولده.

• وهذه شكلت لك متاعب في فسحها؟

ــ حرصوا ألا ينشر لي إذا لم ألتزم باللغة العربية الفصيحة وظللت أقاتل من أجل ذلك.

• لماذا نتخوف من تنشيط الحركة المسرحية الغائب الأكبر في وسطنا الثقافي؟

ــ الإمكانيات غير موجودة في تلك الفترة والقصص المسرحي لا يقوم إلا بوجود سيناريست ومخرج وعناصر يرى البعض فيها رفضا وأراها أمرا طبيعيا.

• مثل؟

ــ المرأة التي يعتبرها البعض محذورا، فالمجتمع امرأة ورجل ولا تستطيع أن تهمش عنصرا على حساب الآخر. ولكي تقدم عملا يجب أن تكون مقتنعا به و أحرص دائما على تقديم العمل المتكامل قدر الإمكان حتى أتفادى لسعات النقاد. و إذا نظرنا إلى القصة في القرآن الكريم فإنها لم تأت مفردة أبدا فتجد لوطا وزوجته، إبراهيم وبناته، نوحا وزوجته، يوسف و امرأة العزيز، فرعون وزوجته، وحتى داخل البيت أورد القرآن الكريم قصصا مثل قوله تعالى «وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا» إلى آخر الآية، وقصة نبي الله موسى في أرض مدين.

فلهذا أنا ككاتب أجد صعوبة في الكتابة دون العنصرين، وقد طلب مني بعض الإخوان أن أكتب مسرحية دون شخصية نسائية وحاولت ولكني فشلت.

• كتبت (السعد وعد) و(الليل لما خلي) و(زغروطة في منتصف الليل) و(أنا وزوجتي والدوامة والسنيورة).. وأريد أن أعرف أيا منهم تمثل حادثة أوموقفا في حياتك وليست خيالية؟

ــ ليس شرطا أن تمثلني شخصيا، لكنها تمثل جملة مواقف في المجتمع الذي عشته، والرواية المحببة إلى قلبي وتمثل المجتمع السعودي في القرن الماضي هي (سوف يأتي الحب) وفيها تمثيل لطبقات الأسرة والتعامل بين الأفراد والجيران.

• ما سقف الحرية لديك؟

ــ لاسقف عندي للكتابة، بل إنني أكتب متوقعا أن يسقط السقف علي في أية لحظة، لكنني اعتدت ألا أنشر رواياتي إذا أعيدت لي بطلب التعديل من الرقيب.

• مثل رواية (الشيطان في إجازة)؟

ــ نعم، والى الآن لم تطبع مع أن الأخ محمد صلاح الدين اقترح طباعتها في مصر أو بيروت. وتضم 3 فصول وكل فصل عبارة عن مشاهد عدة، لكنها تحتاج إلى مخرج محنك لأنها تحتوي على أعمال شيطانية تتطلب ديكورا خاصا ومجموعة من الخدع المسرحية ودقة التنفيذ.

• كم هي الأفكار والروايات الحبيسة لديك؟

ــ كثير، لكن الذاكرة شاخت وما كنت أكتبه سرق بطريقة حضارية لا يقدر عليها إلا متخصص وقلبت مكتبتي تقليبا لم يبق فيها شيء حتى أبحاثي الخاصة.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

• ربما كتبت نوعا من أدب الكوابر؟

ــ رحم الله أحمد قنديل الذي كان يقول: أدبنا أدب الكوابر فنحن نكتب وهم لا يريدون فنعود ونضعه في (الكوبر) وهو الصندوق الذي تحفظ فيه الأشياء.

• ولهذا أوقفت عن الكتابة في الصحف؟

ــ إيقافي لم يأت فجأة، إنما نتيجة أكثر من مقال.

• الى الآن؟

ــ حاولت أن أكتب في صحيفتي (الندوة) التي كنت أحد مؤسسيها فأعيدت لي مقالاتي في ظرف مع الشكر مما سبب لي ألما نفسيا شديدا، وشعرت فعلا أن ظلم ذوي القربى أشد مرارة على النفس من وقع الحسام المهند، ورحم الله ندوة حامد مطاوع عندما كان (كل الصيد في جوف الفرا)، وظللت أحاول أن أكتب في أكثر من مناسبة فأجد القلم كأنه يخاطبني ويقول: ألم تتب من الكتابة يا عصام. فأقتنعت بالتوقف ويبدو أن العمر لن يسعفني لما هو أبعد من ذلك.

• هل وصلت إلى مرحلة الإحباط من الكتابة؟

ــ نعم.

• هل ستكتب بلغة مغايرة عما سبق لو أعيدت مقالاتك؟

ــ لا يمكن، وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه يا أخ بدر.

• وأين أنت من الأندية الأدبية؟

ــ أنا متمسك بقول الشاعر:

فإن تدن مني تدن منك مودتي

وإن تنأ عني تلقني عنك نائيا

• ليس بينكم أي تواصل؟

ــ وجهت لي دعوة من نادي مكة الأدبي للمشاركة في أمسية عن فن القصة في الأدب السعودي في شوال المقبل.

• وهل ما زلت على رأيك في الحداثة التي تخلى عنها رموزها؟

ــ هي حركة في الثقافة لا أستسيغها وأصبحت نوعا من الإيدز الفكري الذي يساعد على الانحراف وقد قلت هذا الكلام للدكتور عبدالله الغذامي.

• هل تعتبر فوز رواية (ترمي بشرر) لعبده خال بجائزة البوكر العالمية انتصارا للرواية السعودية؟

ــ للأسف أنني لم أقرأها وحاولت الحصول على نسخة منها فلم أجدها في مكتباتنا ولا أستطيع أن أحكم عليها الآن.

• سئلت قبل 15 سنة، هل تجد سعادتك عند المرأة، فقلت: ما لم تكن زوجة أو حماة، فماذا كنت تقصد؟

ــ هذا على المنهج الساخر، وأكاد أقول إنها تمشي بالحماة أما الزوجة فصعبة ومن باب التوبة وعدم إعادة الكرة فـ«ضربتين في الرأس توجع».

• ولهذا السبب كنت متحمسا لتأسيس جمعية العزاب المتحدة؟

ــ بدأت وانتهت عندما كنت عازبا كفكرة خيالية من مكة المكرمة، فقد كانت عيادتي تقع فوق أحد المطاعم السورية وكنت زبونا دائما عندهم، ففي أحد الأيام شممت رائحة الملوخية وتمنيت أن آكلها فقررت أن اكتب عن معاناة العازب من خلال مقال في الصحف مطالبا بتأسيس جمعية للعزاب، فوجدت تجاوبا من عدد من الزملاء فأصبح د. عبد العزيز مدرس مندوبنا في الرياض وحدث أن التقيت صديق الوالد الشيخ عبيد مدني في المدينة المنورة فطلب مني استمارة فقلت له: أنت لست عازبا ولن تكون من العزاب في يوم ما. ويبدو أنه زن علينا فلم يمض أسبوع على حديثنا حتى دخل الدكتور مدرس الزواج وأعلنت أنا خطبتي وكذلك أعلن ممثلنا في جدة خطبته أيضا فخرجت إحدى الصحف بعنوان (سقوط جمعية العزاب المتحدة).

• هل وصلت إلى مرحلة لا تستطيع أن تمارس فيها الطب؟

ــ نعم عندما يصل الإنسان إلى قول الشاعر «من عاش أبلت الأيام جلدته وخانه ثقتاه السمع والبصر) وقد وصلت إلى هذه المرحلة منذ أربع سنوات، ووجدت أن ضعف البصر يحول دون أن أعطي المريض حقه، فكيف يحق لي أن آخذ حقي منه فتوقفت مع أن الناس يأتونني من باب الثقة والخبرة كثاني طبيب أسنان سعودي ولكن أمام مسؤوليتي كطبيب لا بد أن أتخذ القرار بالتوقف فاتخذته.

• ولم يتوارثها أحد من بناتك؟

ــ إطلاقا فكل واحدة سلكت الطريق الذي تحبه وتستطيع أن تنجح فيه ولم أفرض عليهن رغبتي.

• يقال إن طبيب الأسنان يأخذ لقمته من فم المريض؟

ــ الشيخ محمد علي خزندار أحد كبار موظفي وزارة المالية، كان يسكن في حي القشاشية في مكة، بالقرب من بيتنا، فعندما انتقلت إلى جدة جاءني في العيادة في أحد الأيام فقال لي: «أطباء الأسنان أسوأ ناس على وجه الأرض لأنهم يأخذوا فلوس المريض ويخلعوا له ضرسه ثم يركبون له ضرس جديد وبفلوس كمان». وهذه مشكلة طبيب الأسنان أن وظيفته شبيهة بوظيفة السمكري اللي يشيل قطعة بفلوس ويركب قطعة جديدة بفلوس أيضا.

• والآن أصبحت تجارة على المكشوف؟

ــ منذ سنوات، وقد كتبت عن هذا الموضوع منذ 20 عاما مقالا بعنوان (طب ايه اللي انت جاي تقول عليه) بسبب شكوى أحد المراجعين من آلام في شعره فحولها أحد الأطباء إلى مرض فغضب مني زملائي أطباء الأسنان.

• لكنك تراجع طبيب الأسنان إذا ألم بك شيء؟

ــ الحمد لله خلعت أسناني كلها وعملت تركيبة فاسترحت وأرحت.