-A +A
عبد الله الداني ـ جدة

تتجللك مشاعر الهيبة وتخف روحك مسافرة عبر روحانية المسجد النبوي الشريف، هكذا تزدحم في نفسك فجأة كل معاني الرضا ويغمرك السكينة كل ما تقدمت باتجاه الروضة الرضية، وأنت وسط تلك الهالة الإيمانية تسمع «الله أكبر الله أكبر» صوت الأذان الذي لم ينقطع منذ بلال بن رباح رضي الله عنه.

ذلك الصوت العذب الشجي ينطلق من ـــ المكبرية أو المأذنية ـــ وهو المكان الذي يصعد عليه مؤذن الحرم النبوي لرفع الآذان عندها تجبرك نفسك على التوقف قليلا لاستلهام الماضي العريق والتاريخ الكبير الذي تعاقب على هذا المكان منذ العهد النبوي.

الأسر المشهورة

وثمة أسر معروفة تخصصت في هذه المهنة، فتوارثت الأذان أجيالا متعاقبة، فمن هذه الأسر آل نعمان، وأسمهم الحقيقي بيت الحنبلي، وآل النجدي، وآل الخاشقجي، وآل الديولي، وآل العينوسة، وآل الحكيم، وآل عفان، وآل المهنا، وآل الكردي، وآل السمان، وآل الغباشي، غير أن ذلك ليست قاعدة ثابتة، فقد تولى هذه المهنة آخرون من أصحاب الأصوات الحسنة.

وأوردت موسوعة مكة والمدينة المنورة أنه بعد حادثة «سفر برلك» التي هاجر فيها أهل المدينة في نهاية الدولة العثمانية إلى الشام وتركيا بسبب القائد العسكري للمدينة فخري باشا قام حاكم المدينة في حكم الأشراف الشريف علي باختيار بعض أصحاب الأصوات الحسنة لملء الفراغ الذي نجم عن نزوح تلك الأسر المدنية عقب الحادثة التي أشرن إليها، وكان في مقدمة هذه الأصوات المؤذنون المعروفون حسين بخاري، وعبد الستار بخاري، وكان الأخير من أشهر الشخصيات التي عرفت في المدينة بتجويد كتاب الله ومعرفة السلم الموسيقي في الأذان.

ويلاحظ من أسمي المؤذنين انتسابهم إلى أسر معينة تكررت في القائمة، كأسر: السمان والنعمان والنجدي والخاشقجي والحبش والمهنا والقطان والكردي والعفان والصيرفي واليماني وغيرهم، مما يؤكد توارث تلك الأسر في القيام بمهمات الأذان في المسجد النبوي الشريف.

منائر الأذان

يقول الكاتب والأديب الدكتور عاصم حمدان: إن الأذان في المدينة المنورة كان ينطلق من خمس منائر هي: الرئيسية وباب السلام، والشكيلة، والسليمانية، وباب الرحمة، وقد أزيلت هذه الأخيرة في التوسعة السعودية الأولى في بداية السبعينيات الهجرية (1370هـ/ 1950هـ). وقد أضيفت إلى المنائر الأربع في بداية التسعينيات (1390هـ/ 1970م) نقطة أخرى للأذان تنطلق من المكبرية، وهو المكان المخصص للتكبير خلف الإمام.

وعادة ما كان يوجد في المكبرية في كل صلاة، ما بين مؤذنين إلى ثلاثة، أما في صلاة التراويح فكان هنالك ثلاثة مؤذنين يقومون بالتكبير خلف الإمام بالتناوب، وفي ليلة ختم القرآن يكون هناك ثمانية مؤذنين يتولى مؤذن صلاة المغرب بالتكبير لأربع ركعات، ومؤذن العشاء لأربع ركعات، ثم يتناوب البقية التكبير لـ 12 ركعة، ركعتان لكل مؤذن منهم، ومثلما كانت منارة باب العمرة في مكة تطلق إشارة أو راية في شهر رمضان عند حلول أذان المغرب لينطلق مدفع الإفطار من جبل المدافع في مكة، فكذلك في المدينة المنورة كانت توجد في المنارة الرئيسية إشارة ضوئية حمراء ظلت إلى وقت ليس بالبعيد يشاهدها المسؤولون عن موقع المدفع في جبل سلع في شمال المدينة، وبالتالي يطلقون المدفع فتسمعه جميع أرجاء المدينة إيذانا بحلول وقت الإفطار في شهر رمضان.



أذان الجمعة

ويواصل حمدان قائلا: كان يطلق في المدينة المنورة على الأذان في يوم الجمعة من المكبرية اسم (المحفل)، وكانت تختار له الأصوات الحسنة، كما كان في الحرم المكي من يكبر بصلاة يوم الجمعة خلف الإمام ولصلاة العيدين، وأحد من أشهر المؤذنين هو الشيخ عبد الله بصنوي. وكان عبد الستار بخاري متمكنا من تسلق السلم الموسيقي في المدينة المنورة، لقد كان البصنوي متمكنا أيضا في هذا الشأن، وأضاف: ينبغي على المؤذن أن لا يصطنع النغم ويفتعلها، بل يستحسن أن تكون الأمور في هذا المنحى على السجية دون تكلف، وكان من الأنغام الصعبة التي يجيدها البصنوي نغم يماني السيكة، ويماني الرصد.

لقد عرف الأذان في مكة بقاعدته المعتمدة على مقام الحجاز ويماني الحجاز، أما في المدينة فكانوا يميلون إلى مقام الحسيني ومقام الدوكة وكان المؤذن في مكة والمدينة يستحسنون عندما تكون السماء ملبدة بالغيوم، التكبير من مقام العشاق أو الماهور انطلاقا من أن كل نغم يناسب حالة معينة من أحوال الليل والنهار وأحيانا تتنوع المقامات في الأذان لكل وقت صلاة، فيختار المؤذن بين مقامي الحجاز والبياتي لصلاتي الظهر والعصر، ويستخدم مقام الصبا لصلاة الفجر، بينما يكون أذان العشاء بين مقامي البياتي والحجاز.

الأصوات العذبة

كما عرف حسن جاوه وحسن لبني وعبد الرحمن مؤذن وعلي رمل وخطاب شاكر مثلا بالأداء المتميز في الأذان في مكة، فقد عرف الحرم المدني مؤذنين متميزين من أصحاب الأصوات القوية الحسنة من أمثال عبد الرزاق نجدي وحسين بخاري ومحمود نعمان وعبد الملك نعمان وحمزة نجدي وأبي السعود ديولي وعمر عينوسة ويوسف عينوسة، غير أن القاعدة التي انتشرت في الأجيال اللاحقة في المدينة المنورة هي قاعدة محمود محمود نعمان، وهي القاعدة التي يؤذن بها أصحاب الأصوات الحسنة من أمثال عبد العزيز وعصام بخاري، وأخيرا محمد ماجد حكيم، وقد ذكر الشيخ البصنوي أن صوت حسين بخاري أحسن صوت سمعه في حياته.

ويلاحظ أن هناك أثرا لصوت الشيخ محمد رفعت عند بعض مؤذني المسجد النبوي الشريف، لأن الناس في المدينة المنورة كانوا يعدون الشيخ حسين عويضة هو محمد رفعت المدينة المنورة. وكانوا كذلك يجدون شبها بين قاعدة عبد الستار بخاري وبين قاعدة الشيخ محمد رفعت، وهذا يدل على التأثير المتبادل بين مكة والمدينة وبين بقية أقطار العالم العربي والإسلامي.

مشيخة الأذان

أحد قدامى المؤذنين في الحرم النبوي ـــ رفض الإفصاح عن اسمه ـــ قال كان قديما يختارون لمشيخة الأذان من لديهم الإلمام بعلم الفلك، حيث كانت هنالك في الحصوة الشرقية الواقعة خلف البناء المجيدي العثماني القديم «مزاولة» خاصة يستخدمها شيخ المؤذنين في تحديد الأوقات الخاصة بالأذان، فقد أزيلت هذه المزولة فيما بعد، فالشيخ محمد سعيد نعمان الذي كان شيخا للمؤذنين حتى بداية الثمانينيات الهجرية كان على دراية بعلم الفلك، ثم أعقبه في مشيخة الأذان الشيخ عبد الله رجب، وقد أخذ عنه الشيخ الحالي للمؤذنين عبد الرحمن خاشقجي هذه الطريقة الفلكية في معرفة الأوقات.

إمساكية رمضان

وأضاف: مع بداية شهر رمضان كانت تصدر إمساكية خاصة من شيخ المؤذنين يستعين بها الناس في معرفة أوقات الصلاة في المسجد النبوي الشريف في شهر رمضان، وكما كان المؤذنون يكبرون جماعيا في صلاة العيد في مكة المكرمة، كذلك كانوا يفعل المؤذنون في المدينة المنورة، وكان من التقاليد المعروفة عند المؤذنين في المدينتين المقدستين في صلاة الغائب أن يقوم أحد المؤذنين المعروفين بوقارهم وعلمهم بالتنبيه على اسم المتوفى، ثم يقوم بالتكبير خلف الإمام لأداء صلاة الغائب، كان الشيخ عبد الله بصنوي هو من يقوم بهذه المهمة في مكة المكرمة، ويقوم بها في المدينة المنورة المؤذن والمقرئ والرواية عبد الستار بخاري، ففي الحقبة الماضية كان من يدخل المسجد للصلاة وقد بدأت يعرف أين وصل الإمام في الصلاة من خلال الطريقة التي يؤدي بها المؤذن التكبيرة في أي ركعة هو، كما كان للمؤذن طريقته، حيث يؤازر الإمام في متابعة الركعات حتى لا يقع في السهو، وكان نادرا أن يقوم المؤذن بتنبيه إمام المسجد في مكة والمدينة إذا ما وقع منه سهو في الصلاة.

عبد الرحمن خاشقجي

ويعتبر الشيخ عبد الرحمن بن عبد الإله خاشقجي في الوقت الراهن هو شيخ مؤذني مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو من مواليد عام 1360هـ، وبدأ العمل في الحرم الشريف عام 1379هـ، حيث كان ينظف قباب المسجد، بعد ذلك أخذ يساعد والده في الأذان إلى أن تم تثبيته على وظيفة مؤذن في الحرم الشريف.

عبد المطلب نجدي

أما السيد عبد المطلب صالح أحمد نجدي فقد ولد في المدينة المنورة عام 1356هـ وتعلم في مدارسها مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق في المسجد النبوي الشريف في وظيفة مؤذن عام 1372هـ حتى يومنا هذا.

حسن بخاري

الشيخ حسن عبد الستار بخاري، ولد في المدينة المنورة عام 1359هـ وتعلم في مدارسها، تم تعيينه مؤذنا في الحرم الشريف عام 1400هـ، و ما زال يؤدي عمله حتى الآن، إلا أنه نادرا ما يؤذن في الفترة الحالية نظرا لظروفه الصحية، ويتمتع الشيخ حسن بخاري بصوت جهوري وأداء قوي وهو من المشهورين بأداء المواويل الحجازية الأصيلة (المجسات).

حسين عفيفي

الشيخ حسين حمزة أمين عفيفي ولد عام 1378هـ في المدينة المنورة وتعلم في مدارسها، عين مؤذن في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم عام 1400هـ ولا يزال في عمله حتى يومنا هذا.

حسين رجب

الشيخ حسين عبد الله حسين رجب ولد في المدينة المنورة عام 1348هـ، وتلقى تعليمه في مدارسها، وعين ملازم أذان عام 1365هـ ففي عام 1385هـ تم تعيينه رسميا، ولا يزال في وظيفته إلى يومنا هذا.

سامي ديولي

الشيخ الدكتور سامي محمد ديولي ولد في المدينة المنورة عام 1374هـ وتلقى تعليمه في مدارسها، وواصل حتى حصل على شهادة الدكتوراه في الفقه المقارن، عين مؤذنا في الحرم الشريف عام 1402هـ وما زال في عمله حتى يومنا هذا.

كامل نجدي

السيد كامل صالح أحمد نجدي من مواليد المدينة المنورة ولد عام 1357هـ، فهو شقيق المؤذن السيد عبد المطلب نجدي، وهما من الأسر التي اشتهرت بتخريج المؤذنين، فقد عين مؤذنا في الحرم النبوي عام 1378هـ وهو يتولى مهمة رفع الأذان الأول لصلاة الفجر ولا يزال يقوم بذلك إلى يومنا هذا.

عمر كمال

الشيخ الدكتور عمر يوسف محمد كمال من مواليد عام 1373هـ، ولد في المدينة النبوية حصل على درجة الدكتوراه في التفسير وهو عضو هيئة تدريس في الجامعة الإسلامية، عين مؤذنا في الحرم النبوي عام 1401هـ، لا يزال في عمله حتى يومنا هذا.

عبد العزيز بخاري

الشيخ عبد العزيز حسين عبد الغني بخاري ـــ رحمه الله، ولد في طيبة الطيبة عام 1352هـ وينتمي إلى أحد بيوتات المدينة التي اشتهرت بتخريج المؤذنين أصحاب الأصوات الشجية العذبة والأداء المميز، فأبوه هو الريس حسين بخاري ـــ رحمه الله، وأخوه هو الشيخ عصام بخاري، عين مؤذنا في الحرم الشريف منذ عام 1370هـ أي منذ أن كان عمره 18 عاما، وهو صاحب صوت قوي وأداء رفيع.

عصام بخاري

عصام حسين عبد الغني بخاري ولد في المدينة المنورة عام 1360هـ، وتلقى تعليمه في مدارسها حتى حصل على الشهادة الابتدائية ثم الثانوية الصناعية الأولى، التحق في المسجد النبوي الشريف بوظيفة ملازم أذان عام 1379هـ، ثم عين في وظيفة مؤذن عام 1385هـ، ولا يزال في عمله حتى الآن، فهو نقيب المؤذنين في المسجد النبوي الشريف.

ماجد حكيم

ماجد حمزة حكيم ولد في المدينة المنورة عام 1350هـ، وحصل من مدارسها على الشهادة الابتدائية، عمل مؤذنا في المسجد النبوي الشريف منذ عام 1368هـ

محمد حكيم

محمد ماجد حكيم، هو ابن الشيخ ماجد حكيم ويمتاز بصوت عذب وأداء قوي.