-A +A
بشرى فيصل السباعي
شغل الناس أخيرا باستنكار الاستعراض المبتذل للباذخين في مواقع التواصل بأكداس أموالهم وممتلكاتهم، وبدون مقارنتها بمرجعية النصوص القيمية النظرية يكفي مقارنة سلوكهم المبتذل هذا بسلوك أغنى أغنياء العالم في مواقع التواصل وتحديدا مؤسس أمازون جيف بيزوس، ومؤسس مايكروسوفت بيل غيتس، ومؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ، فهم لم يستعرضوا يوما بأكداس المال وبالبذخ، فحساباتهم مشغولة بآفاق مشاريعهم وإنجازاتهم وأعمالهم الخيرية، وهم لا يرتدون ملابس ماركات شهيرة إنما ذات الملابس العادية التي يرتديها أهل الطبقة المتوسطة، وهذه المفارقة تبين صحة المثل القائل «كم هو مسكين من لا يملك غير المال»؛ فالذي بنى ثروته من إنجازاته العملية يفخر بإنجازاته العملية، وبالمثل فإنجازات الإنسان في ترقية وتكريس جوهره على المثاليات العليا تتبدى في كون حساباته تبث وسائل وثمار هذا الإنجاز من علوم ومعارف وحكمة وأحداث وأخبار، بينما من ثروته إرث وعطية أو حصلها بطرق غير مشروعة فليس لديه سوى ماله ليفاخر به، أما معنى قوله تعالى (َأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) فهناك فارق جذري وجوهري بين أن يحدث الإنسان الآخرين عن نعمة الله وبين سلوك الاستعراض الفج المبتذل بالبذخ الذي يكون من السطحيين الفارغين؛ فإن يحدّث الإنسان غيره بنعمة الله عليه يقصد به ما يشبه أدبيات التنمية الذاتية التي تعتمد على جمع قصص نجاح وتفوق وامتياز الناس وتغلبهم على الصعوبات والتحديات لتحقيق طموحاتهم، فالاطلاع على قصص تحقق الطموحات يحيي الأمل لدى الناس ويشحذ هممهم ويرفع معنوياتهم ويجعلهم يحسنون الظن بالله ويقربهم من التعلق به سبحانه لجعل المستحيل ممكنا والصعب سهلا في مساعيهم لتحصيل نعم الله، وهذا يجعل حياة الناس الدينية والدنيوية أفضل وأجمل وأكمل، ولا يعني أن يغيظوا الناس ببذخها ليستعلوا بها عليهم كاستعلاء قارون، ويمكن إعادة تأهيل وترشيد هؤلاء المساكين الباذخين المفلسين جوهريا بطريقة هيئات الأمم المتحدة أي بتعيينهم كسفراء للنوايا الحسنة ليستثمروا مكانتهم وتسلط الأضواء عليهم للفت الأنظار إلى القضايا والحالات الإنسانية، وبالفعل من يتابع سير مشاهير الشرق والغرب قبل وبعد تعيينهم كسفراء للنوايا الحسنة يلاحظ حدوث تغير جذري في شخصياتهم جعلهم أكثر نضجا ورشدا وتواضعا، وأخيرا وقفة مع الباذخ؛ فليتصور حاله المحتوم بعد تجرده من جسده وماله وخدمه وحشمه وبيته وممتلكاته وجمهوره، فماذا يبقى له منه؟ أي ما هو مضمون شخصيته الذي سيواجه به الله؟ وما هي إنجازاته التي سيقدمها لله؟ والجواب يجعل الإنسان الجوهري يشعر بالشفقة على الباذخين تماما كما يشعر بالشفقة عند رؤية أهل المجاعة.

* كاتبة سعودية


bushra.sbe@gmail.com