-A +A
عبده خال
تفاصيل كثيرة تسللت عبر الأيام وسكنت الماضي من غير أن يحركها أحد؛ لأننا تركنا الأشياء تجري في أعنتها ونمنا نومة أهل الكهف.

لم ننشغل بالتوثيق، ولم نحافظ على أثر، فضاعت كنوز لا تقدر بثمن؛ إذ إنها تمثل روح البلد بجميع أطيافه وتضاريسه وسلوكياته وحكاياته وآثاره..


ولأن الفن (في جانبه الغنائي) أحد ركائز وجدان المجتمع، لم نعرف تفاصيله ولم تسجل لنا المفارقات الجسيمة والطفيفة التي حدثت في دهاليز الفن الغنائي، ونحن نسمع أن كتاب الأغنية والملحنين آنذاك لم يكن يشغلهم بمن كتب أو لحن، حتى أن الأغنية يشارك فيها مجموعة ومع الزمن تثبت باسم شخص واحد منهم، وكثير هي الأغنيات التي انتشرت واشتهرت بأسماء ليست هي من كتبها أو لحنها..

وفي سهرة رمضانية من إعداد الصديق علي فقندش، جمعت فنان العرب محمد عبده والفنان الكوميديان حسن دردير (مشقاص) والشاعر محمد النجيمي، تفلت من الأفواه قصة الأغنية الوطنية العظيمة (وطني الحبيب)، وقد رواها الفنان حسن دردير حينما اجتمع الشيخ جميل الحجيلان بفريق الإذاعة لتقديم برنامج ترحيبي بمقدم الأمير فيصل بن عبدالعزيز (الملك فيصل لاحقاً) لجدة، سائلاً ما الذي تم إعداده لهذه الحفلة، ولعدم توفر مسرح يليق بالمناسبة، إذ كان مسرح الإذاعة لا يكفي لاستقبال أعداد كبيرة، فاتفقوا على إقامة الحفلة في مسرح الإذاعة وتركيب الميكرفونات باتجاه الشارع العام، وأثناء الاستعداد كان لدى الفنان حسن دردير شعر (حلمنتيشي)، أطلع صديقه مصطفى بليلة على ذلك الشعر، وكانت بداية القصيدة (بلدي الحبيب) فاقترح الأستاذ بليلة أن يتم تغيير كلمة بلدي إلى مفردة وطني، وسافر إلى خارج المملكة، وأثناء الاستعداد قام دردير بإطلاع الأستاذ عباس غزاوي على القصيدة، فتم استدعاء الأساتذة: حمام وحسن الصيرفي وبدر كريم وطلب منهم أن تكون القصيدة في أكمل بهائها، وعمل الجميع على صياغة الأغنية وتشذيبها، حتى إذ جاء مصطفى بليلة من إيطاليا وسمع القصيدة مغناة، لام حسن دردير قائلاً: كيف تقول إن القصيدة لك، فكان رد حسن دردير أن القصيدة تشارك فيها فلان وفلان وفلان، ولحل المشكلة اقترح الشيخ جميل الحجيلان أن تبث الأغنية من غير ذكر من هو مؤلف القصيدة، ومع مرور الزمن تم تسجيلها من قبل شركة آرا، وسأل محمد سعيد الفارسي: من كتب القصيدة فقيل له إن من كتبها هو مصطفى بليلة، فقال تبث باسم بليلة وثبت الأغنية على هذا الوضع، بينما تم تغييب من شارك في إظهارها بالصورة التي نسمعها.

نعم، هو الوطن الحبيب الذي نشدو بحبه في كل حين، ومن أجل هذا الحب كم نحن بحاجة لتوثيق ما بقي في الصدور، وإذا قبر أصحابها فتاريخ نابض سوف يقبر معهم.