-A +A
محمد الساعد
بين العامين 1924 - 1926 كانت مجموعات محلية في جيزان قد فرضت سيطرتها على ميناء الحديدة الواقع على سواحل البحر الأحمر في تهامة الجزيرة العربية، وقتها لم يكن للمملكة المتوكلية اليمنية أي سيطرة على الميناء ولا المكونات القبلية المحيطة به، بل ظلت المدينة الساحلية الإستراتيجية خاضعة لسيطرة السكان المحليين القادمين من المناطق الواقعة على سواحل منطقة عسير خاصة جيزان وصبيا.

إلا أن الإمام حميد الدين الذي لم يستطع تحرير ميناء عدن من الوصاية الإنجليزية أصبح في حاجة ملحة للسيطرة على ميناء بديل يلبي حاجاته، فبدأ في عام 1933 بالهجوم على مدينة الحديدة في محاولة للاستيلاء عليها، كما قام في الوقت نفسه بالاعتداء على مدينة نجران السعودية محاولا احتلالها، كانت عملية غير ودية من الإمام «المتوكلي» أدت بالسكان المحليين لطلب الحماية العاجلة من الملك عبدالعزيز الذي لبى النداء ودفع بقواته في 1934 لحماية حدود بلاده أولا ثم مساعدة السكان اليمنيين في مدن وقرى تهامة.


سير الملك عبدالعزيز جيشا كبيرا بقيادة «الأمير» فيصل ومساندة قبلية استطاعت على إثرها اختراق الساحل سريعا باتجاه الحديدة بمسافة تتجاوز مئة كلم جنوبا من مدينة صبيا حتى وصلت القوات إلى ميناء الحديدة الذي خضع تماما خلال أيام لقبضة السعوديين، عندها أدرك الإمام حميد الدين أنه أخطأ في حق الملك عبد العزيز باعتدائه على نجران وبقية المدن والقرى الحدودية السعودية، فطلب وساطة البريطانيين وقبل فورا بشروط الصلح.

الملك المؤسس رحمه الله وبعد تلك الأحداث اليمنية وجد أن دور قواته في حماية السكان إضافة إلى إبعاد القوات المتوكلية عن حدود بلاده قد تحققت تماما فأمر «الأمير» فيصل وقواته المتقدمة بالانسحاب والعودة للمناطق الحدودية، كما أنه وبحكمته أرسى قواعد التعامل مع اليمن ووقع على اتفاقية حدودية بين البلدين.

اليمن هي خاصرة السعودية الجنوبية والحفاظ عليها أولوية الأولويات، منذ ثلاثة أعوام تقوم القوات السعودية والتحالف العربي بمساندة قوات الجيش اليمني لتحرير اليمن كله من براثن الاحتلال الإيراني.

من منا لا يتذكر تلك الأحداث الجسام التي سبقت عاصفة الحزم، فصنعاء بكل أجهزتها الحكومية والعسكرية والمالية سقطت بيد الميليشيات الحوثية، إضافة إلى معظم مناطق الداخل من حضرموت جنوبا إلى مأرب والجوف شرقا وحتى سواحل البحر الأحمر والجزر الإستراتيجية غربا، وعدن تحولت لميناء إيراني تسيطر به على مضيق باب المندب.

دعونا نراجع الموقف السياسي والعسكري والاقتصادي في اليمن والمنطقة، وكيف استطاعت الرياض المرور من كل حقول الألغام والفخاخ الصعبة التي زرعت في طريقها، حتى وصلت اليوم إلى أن تكون القائدة تحدد رؤيتها السياسة والاقتصاد والأمن في المنطقة.

كانت أسعار البترول تتهاوى حتى وصلت إلى 22 دولارا، وداعش في شمال الجزيرة العربية تعيث فسادا وتهدد بالتقدم نحو شمال المملكة، وإيران تعيش أزهى أيام مجدها، فهي تحتل «صنعاء» أول عاصمة عربية وتسيطر على البحر الأحمر أهم ممر مائي في العالم بمينائه الحديدة وجزره الإستراتيجية، وعلى وشك التوقيع على اتفاق نووي مع الأوروبيين والأمريكان سيطلق يدها في الشرق الأوسط، وواشنطن تخضع لرؤية سياسية فاشلة يقودها حليف طهران وقوى التطرف في المنطقة الرئيس باراك أوباما، وكثير من الدول العربية إما سقطت أو لم تتعاف من احتجاجات «الخريف العربي».

لقد كان الموقف صعبا للغاية أمام أي سياسي ليتخذ موقفا عسكريا وسياسيا بذلك الحجم، إلا أن تقدير الموقف الأمني في الرياض كان يقول بخلاف ذلك، فإما الإقدام والحزم، وإما احتلالا ليس لليمن فحسب بل إن العالم العربي كله سيخضع لاستعمار إيراني سيستمر لمئات السنين.

كل ذلك لم يقف أمام الملك الحازم سلمان وولي عهده الجسور الأمير محمد باتخاذ قرارهما التاريخي بتشكيل تحالف هو الأول من نوعه بعد التحالف الأمريكي الذي حرر الكويت من الاحتلال العراقي العام 90، بهدف استعادة اليمن، وها هي اليوم الحديدة تتحرر من جديد كما حررها السعوديون قبل مئة عام.

إنها السعودية العظمى من الملك عبدالعزيز إلى الملك سلمان لا تقبل أن يتجول أحد في حدائقها ولا ساحاتها الخلفية، مئة عام من التحديات والانتصارات والصعوبات والعمل الشاق، وكما هو العهد بالرياض تفاجئ الجميع كطائر العنقاء يعود في كل مرة أقوى مما كان، دولة مبادرة لا تسمح لأي أحد مهما كان أن يمارس ألاعيبه ومناورته القذرة داخل حدودها أو في فضائها، الذي هي من يرسمه ويحدده، خطها العريض بدأ من تحرير اليمن ولا ينتهي بإعادة الشيطان الإيراني إلى قمقمه في «قم».