-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
فصل الثقافة عن وزارة الإعلام خطوة مهمة وفي وقتها، فرغم تلازمهما في البناء الإنساني، إلا أن لكل منهما فضاءه الواسع للمسؤولية، وتكاملا في الأهداف تجاه الهوية الوطنية، خاصة في مرحلة مهمة للتحول الذي تشهده المملكة، وما ينتظر من حراك نشط وفاعل على الصعيد الثقافي بأبعاده الفكرية والفنية التي تستكمل منظومة التعبير عن الوطن وسماته وتطلعاته، وتحديات المجتمع في التغيير الإيجابي في عصر التحولات العولمية.

ركائز الحراك الجديد تتمثل في دخول السينما ومن ثم المسرح كشرايين للبناء الثقافي عبر استثمارات تقنية وإنشائية ضخمة، وهما جناحان رئيسيان يحلّقان بالفكر والمنتج الثقافي والأدبي بترجمته إلى أعمال فنية درامية تقوم على تشريح الواقع وتقدم معرفة حقيقية وهادفة، وتحشد من خلالها رؤى الأديب والمؤلف والمنتج والمخرج والتمثيل وغير ذلك من تخصصات فنية تصهر الإبداع المحلي. أيضا وفي مجال آخر نجد عالم الترفيه وهو يدخل عصرا جديدا في المملكة خارج النمط التقليدي، إلى صناعة تقوم على المعرفة وتسهم في تطور المجتمع وتنميته بمفهوم أشمل وأرقى لجودة الحياة، وهذا يندرج تحت مقاصد الثقافة الساعية إلى نهضة حضارية تعزز بناء الإنسان عبر التربية وتشكيل الوعي والارتقاء بالسلوك الإنساني الفردي والمجتمعي والقيم والعادات والتقاليد.


هكذا الثقافة بمفهومها الفكري والأدبي والفني وأبعادها الاجتماعية تعمل على صياغة الفرد والمجتمع، وتقوي النسيج الوطني والتعبير عنه وتعميق قيم الأسرة ورسالتها، وفي هذا يكون الدور الدقيق للإعلام تكاملا مع الثقافة لتصل رسالة الوعي إلى عمق المجتمع، فإذا كانت السينما والمسرح محكومتين بعدد المشاهدين فإن الإعلام بكافة وسائله يسهم في تعميق الدور الرقابي بالنقد والتحليل للمنتج الثقافي الذي يعالج قضايا المجتمع ومنظومة القيم، ومثال آخر هو ثقافة الانضباط المروري وحق الطريق وعدم التهور والمضايقة في خلق الله وإيذاء الآخر وخطورة السرعة ومآسي الحوادث المرورية ونتائجها السلبية على المجتمع، كل ذلك من صميم الوعي الثقافي الذي يتجاوز المفهوم التقليدي للثقافة وحصره في المثقفين، فعندما يصل الفرد إلى الوعي الصحيح كثقافة حياة فإن الثقافة تكون قد حققت رسالتها تجاه المواطن والإنسان عموما.

أيضا العلم والتأهيل على أهميتهما في التطور والتقدم، لكن التعليم دون بناء ثقافي بالوعي والالتزام يصبح مجردا من ثماره في الحياة، بل يصبح التقدم عبثيا لا طائل منه إلا كسب مادي بالإنتاج أو خسارة بإسراف في الاستهلاك، وهنا يمكن فهم معنى الحفاظ على المكتسبات الوطنية بالعلم والبناء والتطوير والثقافة الوطنية بل والإنسانية التي تجعل الحياة أكثر استقامة والإنسان أكثر إيجابية.

والثقافة لا تتجلى فقط في رواية وكتاب وشعر وغير ذلك من صنوف الأدب، إنما هي في الأساس قدرة على تشكيل العقل والوعي وربطه بتفاصيل الحياة من خلال السلوك المجتمعي والفردي الصحيح، وإذا نظرنا إلى شعوب مثل اليابانيين والصينيين بدرجة خاصة نجد أن محرك الأساس لتقدمهم هي ثقافة الإرادة والالتزام يمارسونها ويغرسونها كثقافة حياة وينعكس ذلك في آدابهم وفنونهم ونجحوا في ذلك.

لهذا فإن إنشاء وزارة للثقافة قرار غاية في الأهمية لرعاية الفضاء الرحب للبناء الإنساني والهوية الوطنية وتعزيز النسيج الوطني ودعم المناخ الإبداعي والحرية المسؤولة للفكر الهادف بلا شطط ولا غلو ولا تهوين وتسطيح، بل رسالة بناء معرفي وثقافي للحياة في عصر الإنترنت والتواصل الإلكتروني الذي يحتاج إلى كثير من العمل الثقافي المتكامل من أجل كثير من الوعي والرشد.

* كاتب سعودي