-A +A
عبدالله صادق دحلان
أمين المدن الكبيرة في الدول الكبرى يسمى (ماير mayor)، وهي وظيفة منتخبة ممن يحق لهم الانتخاب في المدينة، ومن يفوز بالانتخاب تكون عليه مسؤولية كبرى من الناخبين له على أن يكون أداؤه وإبداعه لتحقيق طموحاتهم لمدينتهم من بنية تحتية وخدمات ونظافة ومشاريع استثمارية تعود بالفائدة عليهم وعلى مدينتهم، ويحاسب الأمين إذا لم يحقق الأهداف أو لم يحقق طموحاتهم أو كان عائقا أمام نمو الاستثمارات والمشاريع التنموية.

وفي الدول النامية ومنها بلادنا يحسن القادة الظن في اختيار الأمناء لمؤهلاتهم أحيانا ولتزكية ذوي الثقة لهم أحيانا أخرى، وأحيانا يتم الاختيار لخبرتهم في نفس المجال، ومدينة جدة لم يمر عليها مع تقديري واعتزازي لجميع الزملاء من الأمناء السابقين غير عميدهم معالي المهندس محمد سعيد فارسي، الذي تم اختياره من نفس قطاع البلديات وعلى وجه الخصوص (تخطيط المدن)، أما بقية الأمناء بعده فقد أتوا من قطاعات أكاديمية أو صناعية ولم يأت واحد منهم من قطاع البلديات، فاجتهدوا وأصاب بعضهم في بعض الأعمال وأخفق الكثير منهم في النهوض بمدينة جدة اقتصاديا وعمرانيا واستثماريا وخدميا، وكان كل أمين له رؤية مختلفة عن سلفه، حتى تأخرت مدينة جدة في السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة وتعطلت التنمية الشاملة، وتوقفت بعض المشاريع العمرانية العملاقة وظل البعض منها كالأشباح تنتظر الإذن لها لاستكمالها، وتعطلت الاستثمارات في بعض المشاريع سنوات نتيجة خلاف مع الأمانة وانتهى بها الحال إلى المحاكم، وكم من قضايا بين المستثمرين والأمانة دخلت ديوان المظالم حكم في كثير منها لصالح المستثمر، ولم تنفذ الأمانة الأحكام لعدم قناعة كبار المسؤولين بها، والبعض الآخر من القضايا لا يزال ينتظر الحكم بها، وتحولت الأمانة إلى خصم للمواطن والمستثمر رغم أنها كان من المفترض أن تكون أكبر داعم ومساند لهم، ونظرا لبعد الأمانة عن المستثمرين تولد شعور لدى المستثمرين بأن الأمانة عدو لهم تتصيد الأخطاء فقط لتوقف مشاريعهم رغم أن النظام قد حدد الغرامات والجزاءات على المخالفين بحد أدنى وأعلى، ولم يسمح للأمانة الإضرار بالمشاريع ووقف المخالف منها فقط.


لقد عانى المستثمرون كثيرا وقد تشهد المكاتب الهندسية على معاناتهم بالتأخير في الحصول على تراخيص البناء أو تعديلها أو تحويلها أو تجديد التراخيص الإلكترونية. إن غياب الأمين عن مجتمع الأعمال بجميع فئاته خلق روح الفرقة بين الأمانة والمجتمع.

وكما يقول الأستاذ القدير جميل الذيابي رئيس تحرير جريدة «عكاظ» في عددها (18901) يوم الأحد 10 رمضان 1439هـ في مقالته الشهيرة بعنوان - قد أصاب فيه - «جدة غير بحاجة إلى أمين غير»، التي قال فيها «يجب أن يواجه الأمين الجديد المشكلات التي تركها الأمين السابق، الصرف الصحي، والطرقات، والشوارع، وإعادة تخطيط الأحياء القديمة، ومعالجة النفايات، والإتيان بحلول عصرية مبتكرة لمكبات النفايات والتخلص منها وتشجيع حلول إعادة التدوير وإيجاد علاج دائم للشوارع المليئة بالحفر».

وأضيف له بأن مدينة جدة بحاجة إلى أمين يبني أولا جسور المحبة والتعاون بين المستثمرين من رجال الأعمال والإعلاميين ممثلي جميع وسائل الإعلام مع الأمانة، ولاسيما أن الرؤية المستقبلية (2030) للمملكة تضع دورا كبيرا للقطاع الخاص في المساهمة في التنمية.

إن مدينة جدة بحاجة ماسة إلى أمين له حس فني واقتصادي واجتماعي يؤمن بأهمية المشاريع التنموية من تعليم (جامعات ومدارس ومعاهد)، ومشاريع طبية (مستشفيات ومراكز صحية ومستوصفات وعيادات)، وقد بدأت مدينة جدة في عهد أمينها الأسبق محمد سعيد فارسي توجها صحيحا نحو بناء المدينة لتكون تجارية صناعية تعليمية ثقافية طبية، حيث أنشأ مراكز استشفاء خاصة تستقطب المواطنين والمقيمين، وقد كانت نهضة المستشفيات الخاصة الرائدة في مدينة جدة من ذلك التاريخ، ولم نلحظ نموا في الخدمات الصحية على مستوى تلك المستشفيات القائمة حتى تاريخه.

نعم نحن بحاجة إلى أمين من خارج الأمانة حتى لا نحمله أخطاء الماضي ونتهمه بأنه كان جزءا منها ولم يساهم في إصلاحها.

نحن بحاجة إلى أمين يعيد أمجاد أمانة جدة ليس بالبناء الشاهق الفاخر لمقر الأمانة، وإنما بالأعمال التي تسهم في إعادة مدينة جدة إلى شبابها، ويعيد تعاون رجال الأعمال الذين ساهموا في تجميل ميادين مدينة جدة وغرس روح العطاء والمبادرة من أفراد المجتمع لمدينتهم، فالأمانة هي أهم الأجهزة الخدمية في المدينة التي يرتبط بها المجتمع بأكمله أفرادا ومؤسسات وشركات وأجهزة حكومية.

فهل من حقنا أن نتمنى أن يتم اختيار شخصية متميزة مبدعة لأمانة جدة.