-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
وافق مجلس الوزراء ومن قبله مجلس الشورى على نظام مكافحة جريمة التحرش، ومع نشره بالجريدة الرسمية يدخل النظام الجديد حيز التنفيذ ليطبق على من تثبت إدانته بهذا الجرم وعقوبته المشددة (سنتان سجن و10 آلاف ريال غرامة) ثم تغليظ العقوبة إلى 3 آلاف ريال وبما لا يزيد على خمس سنوات سجن أو بإحدى هاتين العقوبتين.

هكذا بات السياق الاجتماعي أكثر حفظا لخصوصية الفرد وكرامته وحريته الشخصية في الحياة الطبيعية من خلال هذه العقوبة، وبما ستشرحه اللائحة التفسيرية المنتظرة، التي تحسم حتما تفاصيل كثيرة لمن هم في عجلة من أمرهم بالتفسيرات غير الدقيقة لأساليب التحرش في الواقع من لفظ بذيء أو صورة مشينة أو إشارة وقحة، أو ما يتداول على شبكات التواصل الاجتماعي من رسوم تعبيرية معتادة ومقبولة أو خارجة بذيئة.


بداية نتذكر الحكمة القائلة (من أمن العقاب أساء الأدب) وهذا أصل الداء، ولزمن طويل ظلت هواجس ومخاوف التحرش معطلة لأي خطوة تكمل الحياة الطبيعية للمرأة وخصوصيتها في الشارع والأسواق، واليوم مع دخولها سوق العمل وقيادتها بنفسها للسيارة كان لابد من صدور هذا النظام الحاكم للسلوك الأخلاقي والوقاية وحماية الأفراد، وهنا تكمن أهمية الحق العام في صون الحق الخاص، خصوصا المرأة والطفل، ومن ثم يكون الردع اللازم لتحقيق الأمان الاجتماعي.

ومن قبيل التأكيد نتذكر أيضا قول الحكيم (لا خير في متعة يعقبها ندم)، وما أكثر المتع حتى الحلال منها كالطعام والشراب تسبب ضررا إذا ما أسرف الإنسان في طعامه وشرابه وكذلك ذوي الأمراض المزمنة كالسكر وضغط الدم والتي لا تستقيم معها الصحة إذا ما تهاون الإنسان مع متع الطعام وشهوة البطن، فكيف بنزوات يراها من في قلوبهم مرض متعا، بإيذاء خلق الله بسلوكيات لا يرضاها لأهله.

حفظ الجوارح عامة ومنها غض البصر، أكد عليها ديننا الحنيف لصون حقوق الغير وكرامته وفيها رضا الله، وغير ذلك تصبح التعديات معصية تسجل على المرء في موازين أعماله. قال تعالى: «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد»، وفي عصرنا هذا ومع الانفتاح الثقافي والمعرفي ووسائله أصبحت المجتمعات أمام تحديات كبيرة ومتزايدة لمواجهة مثالب السلوكيات غير الأخلاقية.

بطبيعة الحال نحن لسنا مجتمعا ملائكيا ولا وجود لهذه الصفة بين البشر، لكنّ مجتمعنا ارتضى على مدى زمن طويل أعرافا حاكمة، صانت الأخلاق العامة ومن ثم كرامة الفرد، خاصة المرأة والأطفال، لكن تبدلت الدنيا الواسعة في هذا العصر حتى تشابكت الثقافات وتشوهت سلوكيات في عصر التواصل بالصوت والصورة عبر أجهزة سلبت العقول والأنظار، حتى بات الصغير يتعرض لمشاهدات ومعلومات وألفاظ سيئة، فأصبح الممنوع مباحا بوسائل سهلة بين يديه، والمحظور متاحا في العوالم الخاصة للأفراد، ومثل تلك الفوضى على الإنترنت تشوّهت قيم ومبادئ وأضعفت الرقابة الذاتية ودور التربية الأسرية والرقابة المجتمعية.

أخيرا مع تطبيق نظام مكافحة التحرش لابد من حملة توعية واسعة ومناقشة صريحة وجادة وهادفة ليس فقط من وسائل الإعلام ولا المنابر إنما أيضا من الأسرة، والتوعية تفرض الإلمام بمضمون النظام الجديد ومقاصده، وليس مجرد التحذير من العقوبة للمتحرش أو للذين يكيدون كيدا بادعاءات وبلاغات كاذبة، فالأساس في كل ذلك هو حماية المجتمع وأفراده من الجرائم المخلة بالشرف وبالأخلاق، وتعزيز منابع النقاء بتعظيم الحرمات وصونها وذلك من الإيمان، نسأل الله الهداية.

* كاتب سعودي