-A +A
محمد مفتي
في صفعة قوية للنظام الإيراني الراعي للإرهاب قررت الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق النووي مع طهران، وفي هذا السياق تبين للرأي العام العالمي الفارق الشاسع والبون الكبير بين السياسة السعودية الحكيمة والسياسة الإيرانية المتهورة الرعناء، كما اتضح لهم إلى أي مدى تُحترم السياسة السعودية وتُقدر من أكبر قوة عظمى في العالم، وإلى أي مدى تعد السياسة الإيرانية مفضوحة ومكشوفة، سواء في دعمها الصريح أو المستتر للحركات الإرهابية في تلك المنطقة الملتهبة من العالم.

من المؤسف أن تكون هناك دولة في العالم كله تتسم سلوكياتها بالإرهاب على مستوى الدولة نفسها، كنظام سياسي وكمؤسسات وهيئات رسمية، فإيران ليست دولة مثل بقية دول العالم تهتم برفاهية شعبها وبتحقيق وفورات اقتصادية وتبحث لها عن مكانة مرموقة على خارطة العالم، فإيران -إن صح التعبير- دولة أيديولوجية وظيفية لا تقيم علاقات إستراتيجية مع بقية دول المنطقة تعتمد على الصالح العام والفائدة المشتركة، بل تبني علاقات وقتية مع نظم مهمشة وجماعات فرعية وهيئات غير رسمية، على نحو يوضح تماماً انعدام خبرتها السياسية الخارجية وافتقارها لفهم أو تطبيق أبسط مبادئ الدبلوماسية السياسية.


تصورت إيران -بقصر نظر لافت- أنها أمنت عواقب استمرارها في تنفيذ برامجها النووية بمجرد توقيعها على نصوص الاتفاق النووي في عهد الرئيس الأمريكي السابق أوباما، وكأن أوباما خالد مخلد، وشرعت فور رفع العقوبات عنها في تنفيذ مخططاتها الإرهابية، معتقدة أنها آمنة من ملاحقة دول العالم لها، وبدلاً من أن تستفيد من رفع العقوبات الاقتصادىة عن كاهلها لتبدأ مسيرتها التنموية وتحقق الرفاهية لمواطنيها، توسعت بشكل ملموس في تنفيذ خططها لإعادة خلق وتشكيل المنطقة بصورة تحقق لها أهدافها السياسية، غيرعابئة بالمرة بالخراب الذي خلفته جراء تحقيق هذه السياسة، ودونما مبالاة بالعواقب الوخيمة التي دمرت الشعوب التي تدخلت لدعم إرهابييها وتقوية شوكتهم في مواجهة نظمهم الشرعية الحاكمة.

لم يكن من الأمور غير المتوقعة الاستمرار بالالتزام بالاتفاق النووي المبرم بين إيران وأوباما؛ لأن إيران اعتمدت بصورة رئيسية عند توقيعه على المراوغة والتدليس والالتفاف على نصوصه المتفق عليها، كما أنها اعتبرته منفذاً خلفياً لاستكمال أنشطتها المتطرفة في المنطقة، ومن الجلي أن تلك الغلطة التاريخية غير المسبوقة كانت واضحة الأبعاد تماماً أمام المملكة التي حذرت بقوة وقتذاك من مغبة ونتائج هذا الاتفاق، كما أنها قد طالبت بتفعيل إستراتيجية واضحة تجاه التعامل مع مفاعلات إيران النووية، وكان واضحاً أمامها تماماً هشاشة هذا الاتفاق، الذي كان سيتفكك إن عاجلاً أو آجلاً، لأنه ببساطة لم يبرم بهدف إيقاف طهران بالفعل عن تهديد المنطقة والعالم بأسره بأنشطتها النووية المشبوهة، بل تم إبرامه في إطار عقد صفقة سياسية بحتة لتلميع نظام أوباما وإحراز انتصار تاريخي لصالح الحزب الديموقراطي في الولايات المتحدة.

ولكن ماذا بعد نقض الاتفاق النووي الآن؟ وبم سيخاطب النظام الإيراني شعبه عقب تجدد فرض العقوبات على اقتصاده المنهك بالفعل؟ هل ستتجدد المظاهرات الشعبية الناقمة على النظام مرة أخرى؟ وهل يكترث النظام أساساً بالغضبة الشعبية جراء سياساته المستفزة داخلياً وخارجياً؟ من سيسدد لإيران فواتيرها؟ هل هى قطر أم أن أمامها بديلاً آخر للتخلص من حصارها اقتصادياً وإقليمياً ودولياً؟ وها هي إيران تذوق الصفعة تلو الأخرى، من فشل في سورية إلى إخفاق في اليمن وانحسار في النفوذ في العراق وقطع للعلاقات مع المغرب، وأخيراً إعادة فرض العقوبات الاقتصادية عليها مرة أخرى، لتعود طهران مرة أخرى لمربع الصفر الذي بدأت منه منذ ثورة الخميني وحتى لحظتنا الراهنة.

لم تكترث المملكة كثيراً وقت توقيع الاتفاق النووي مع إيران، فقد كانت تعي تماماً قدر العوار الذي يشوبه، ورغم ذلك لم تتوقف مساعيها الدولية عن رعاية مصالحها وحماية أمنها وعمقها الإستراتيجي، وهو ما أثبت على نحو لا يقبل الشك أن سياسة الحزم للملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان قادرة على إعادة الاصطفاف الدولي تجاه المملكة، كما أثبت مدى فطنة وحنكة الإدارة السعودية في إدارة أزماتها مع جارتها المشاكسة، إذ تمكنت من إعادة حصار نظام طهران الإرهابي من جهة، وتوطيد تحالفاتها وتقوية علاقاتها بالقوى الدولية المؤثرة من جهة أخرى، تاركة لطهران خيارا سلمياً واحداً، وهو أن تعود لرشدها وتتوقف عن دعم الإرهاب وزعزعة استقرار دول المنطقة، أو يتعين عليها وقتئذٍ أن تتحمل تبعات سلوكياتها وعواقب تحديها لجيرانها ولبقية دول العالم.

* كاتب سعودي

mohammed@dr-mufti.com