-A +A
عيسى الحليان
يقول عالم الفيزياء الشهير «ستيفين هوكينج» إن أعظم عدو للمعرفة ليس الجهل، وإنما وهم المعرفة، وكلما تقدم بنا الزمن نكتشف أهمية ومدى دقة هذا التعريف، والحقيقة أن وهم المعرفة ما هو إلا مظهر من مظاهر انحيازات الدماغ البشري التي لا يمكن لأحد أن يفلت منها، ولكن يظل التفاوت في المدى والدرجة، وفقاً لتفاوت العقول ودرجة الأنا، وفي اعتقادي أن أغلب مشكلات الإنسان في مجتمعاتنا العربية عموما تكمن في عدم قدرته على تبديد هذا الوهم وكبح جماحه عن طريق الاستماع والإنصات أكثر من الكلام الذي يصل إلى مرحلة الهذيان أحيانا، ومعظم مشكلات جماعتنا من جيش عرمرم من أنصاف المتعلمين الذين تزدحم بهم منصات المعرفة وأدوات التواصل الاجتماعي ومنابر الخطابة العامة، هو عدم قدرتهم على التعرف على مساحة الوهم المعرفي في ذواتهم، وما يترتب على ذلك من تقديس للرأي، وتعصب للفكر، هما من بنات ومخلفات هذا الوهم الخطير.

سيولوجية الواهم معرفياً والتي تعكس ما يعانيه من تعالٍ على المعرفة، ليست إلا حالة من حالات الرفض اللاشعوري، والتمرد على القيمة المعرفية وأربابها الحقيقيين، والخطورة عندما يمارس مثل هذا الوهم المعرفي عملياً، ويطبق في الدواوين والمكاتب الحكومية التي يعملون فيها، وتكون النتائج كما ترونها اليوم.


وفي زمن أصبحت الغالبية العظمى تتباهى بمعرفيتها في المجالس العامة والمنتديات وأدوات التواصل الاجتماعي، يتسرب إلى الذين حظوا بنصيب أقل من المعرفة شعور بالنقص -وإن كانوا يحملون شهادات علمية- قد يكون توهم المعرفة منزلقاً لهم، ولا بأس في ذلك لولا أن مثل هذا الوهم يجعلهم يجادلون في ما لا يعرفون، ويتعرضون لمن يعرفون، ويشككون في كل ما يجهلون، ولأن ما كل من ذاق الصبابة مغرم، فإنه ليس كل من ادعى المعرفة يحملها، حتى وإن توكأ على المنصب بيد، أو على المال باليد الأخرى.

وصدق قوله تعالى «وفوق كل ذي علم عليم».