-A +A
وفاء الرشيد
«وين أحب الليلة... وين أهيم»، أغنية من أجمل ما غنى الفنان محمد عبده لمهندس الكلمة الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز، كلمات ترسم بحثنا الدؤوب عن الحب والسكون في الحياة.. ومن منا لا يحب الحب...هذا الشعور الذي يغير نظرتك عن العالم ويعطيك إحساساً بالتفاؤل والإقبال على الحياة، فحتى الجسم عضوياً يفرز هرمون الاوكسيتوسين فور اللقاء بين الأحبة..

أنا كذلك أحب الحب، وأتذكر أول قصة لي كانت مع الحب بيني وبين القمر!! حيث كنت في الخامسة من عمري، وكلما وجهت نظري للقمر وجدت وجهاً بداخله يراقبني ليصبح حبي الأول ورفيقي أينما ذهبت... كبرت ونضجت واستوعبت أن القمر كوكب ومعالم الوجه تلك لم تكن إلا تضاريس، وأن ذاك الحب لم يكن إلا كذبة نسجها لي خيالي، وأتت الحياة بعواصفها وتجاربها ولم أجد حتى اليوم شموخ ذاك القمر وصدقه، هل نعرف كيف نحب؟ وهل يمكننا أن نتعلم الحب؟


أؤمن دائماً بمبدأ التعليم في كل شيء حتى التعليم العاطفي، فالتعليم يختصر علينا الكثير ويحصننا من نقيصتين: الأولى أننا لا نعيش فترة طويلة تمكننا من فهم الحياة. والثانية: أن كل فرد منا يتسم بالغباء إلى حد ما، ولكننا مع التعليم نستطيع أن نبني مخزوناً معرفياً يتطلب من العباقرة سنين للحصول عليها، فلماذا لا نتعلم نحن الحب؟ كيف ينشأ الغضب والحب؟ نعلم الكثير عن الصفائح التكتونية، وتكون السحاب، والقليل عن الحسد والشعور بالذنب، فكما لو أننا نعيش إدراكاً ضمنياً بأن الإدراك العاطفي في جوهره شيء غير قابل للتعلم، وبعيداً كل البعد عن المنطق والمنهجية.. لو طلبنا من كل جيل أن يعيد اكتشاف قوانين الفيزياء بمفردهم هل سيستطيعون؟ وكم هو الهدر الزمني الذي سيضيعونة؟ هل الركود النفسي الذي نعيشة اليوم هو بسبب العولمة والتقدم الاستثنائي في المجالات المادية والتكنولوجية التي نعيشها؟ وهل فعلاً نحن اليوم لم نتقدم منذ عصور الكهف والسومريين في الحب والمستوى العاطفي الذي نتعاطى فيه.

الحب مهارة أكثر مما هو غريزة، والتعليم يساهم في الفائدة الجماعية بخلق لحظات وامضة من الذكاء الفردي، فنحن مازلنا للأسف نهتم بمدى جاهزية أبنائنا لحل مسألة رياضيات ولا نلقي بالاً بمدى جاهزيتهم للتأقلم مع الحياة الزوجية والتوتر والحب.. فتجدنا دائماً ننجذب لمن هم عكس والدينا في علاقاتنا فلكل منا مخزون يحمله بداخله أيجابي وآخر سلبي عن والديه يحاول الهروب منه أو إليه، ويسمى ذلك بالارتداد الحيوي غير مدركين ما نحن عليه. والكثير الآخر منا لا يعرف نفسه، وهناك الآخر ذاك الذي لا يحبها بدايةً ليبني تلك الواجهة الفكرية والاجتماعية التي يختبئ وراءها أمام الناس، وهذا مخلوق تعيس بالأصل افتقد الأحساس بالآخر وبالحب لأنه منكب على نفسه ويخاف انكشافها فتجده زوجاً صامتاً غامضاً قليلَ الحضورِ.. تعيساً وسببَ تعاسةِ بيتِهِ..

لن نجد الأشخاص المناسبين ليفهمونا بالأغلب، ولكنهم متواجدون حولنا. وقد يزيد الطين بلة لو كنا أشخاصاً عميقي التفكير وحادي التبصير، وللأسف من زمن بعيد بقيت الرغبة العارمة في أن نحظى بعلاقة حميمة أقوى من الرغبة في خلق حديث مميز، فينتهي الأمر بنا وقد وجدنا أنفسنا محاصرين بأشخاص لا نجد ما نقوله لهم مجرداً؛ لأنه كان مهتماً بعينها وشعرها وطولها..

فلا تتوجسوا أو ترتبكوا من هذه الوحدة التي نعيشها، فأنتم لم تتعلموا الحب، ولم تتقنوا أصوله ونظرياته كما أتقنتم الرياضيات والعلوم.. وأنا معكم بقي القمر هو حبي الأول والأخير...

ولي حديث آخر عن أبجديات الحب في مقال قادم...