-A +A
عيسى الحليان
منذ عقود طويلة هي عمر تجربتنا الإدارية مع ما تعاقب عليها من لجان تحضيرية ولجان عامة ولجان وزارية ولجان عليا للإصلاح الإداري، ما زلنا نبحث عن ثقب صغير لإيجاد ميكانزم أو صياغة نموذج ما يعيد تموضع نقطة التقاطع بين المركزية واللامركزية، خصوصا بعد ما زادت الأعباء على الإدارة المركزية ولم يعد بمقدورها إدارة دفة التنمية بالطريقة والكفاءة المطلوبة، وذلك بعد تضخم المناطق وزيادة عدد السكان وتعقد أدوات التنمية وصعوبة قيام الإدارة المركزية بالثلاثية المتلازمة (التخطيط والتنفيذ والتشغيل) في آن واحد، ما لم يعاد اكتشاف دور جديد للإدارة المحلية في المناطق يستجيب لمتطلبات التنمية الجديدة، ويتماهى مع المؤشرات والأرقام الجديدة التي وردت في رؤية المملكة 2030، والتي تحتاج بدورها إلى برامج تأهيل للجهاز الحكومي ذاته يصل أحيانا حد الجراحة العامة وهو الجهاز المناط به تحقيق هذه الرؤية لتحقيق المقاربة بين الأساليب الإدارية ومسّلماتها القديمة، وبين استحقاقات التطور التنظيمي ومتطلبات الأساليب العصرية لإدارة التنمية المحلية، وذلك وفق قيم ونماذج مؤسسية جديدة، وهي نماذج تتوافق مع المتغيرات العامة في البلاد ومتطلبات الرفاه الاجتماعي من خلال برنامج «تمكين» الذي يفترض أن يضع الإدارة المحلية في مدارها الجديد في فلك هذه الرؤية خصوصا بعد أن قامت المدن المليونية وتحولت القرى إلى مدن هي الأخرى، وبالتالي فهي تحتاج إلى إدارة محلية وديناميكية لا ترتبط بتروس الإدارة المركزية القديمة في كل واردة وشاردة، وفي نفس الوقت لكي تتمكن هذه الإدارة المركزية من القيام بالدور الأهم وهو التخطيط والمتابعة وزرع التنافس بين الوحدات الإدارية المختلفة في المناطق لتشجيع المبادرات والأفكار المحلية واستنباتها، وكل ذلك سوف يشكل رافدا للإدارة المركزية بدلا من أن تكون عبئا عليها.