-A +A
هيلة المشوح
وأنا أتصفح مواقع الإنترنت لفتني خبر طريف وفي الوقت نفسه مرعب، والخبر يحوي صورة صياد إنجليزي يعلق على جدران منزله رؤوس الأبروجينيلز (سكان أستراليا الأصليون) كقطع إكسسوارات، وذلك في عام 1931م، ويا لها من مفارقة حين استرجعت خلال شريط ذاكرتي صور هؤلاء السكان في متحف «المستعمرة» في سيدني، الذي غُير اسمه لاحقاً ليصبح «متحف أستراليا»، ويضم المتحف مجموعة متنوعة من عالم الحيوانات الفقرية واللافقرية كالكنغر والكوالا وبعض الزواحف و.. «سكان أستراليا الأصليين» المعرضين للانقراض فلم يتبق منهم إلا قلة لا تتجاوز بضعة آلاف من قبائل موزعة على أجزاء منسية من القارة ينتشر بينهم الجهل!.

موضوع التجنيس من أكثر الموضوعات تداولا في أحاديث المجتمع ومواقع التواصل الاجتماعي، في حين تخرج بعض الأصوات التي تنادي بتحديد النسل في المملكة لما نحن مقبلون عليه من تضخم في عدد السكان وتنامٍ متسارع في أعداد المواليد، والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بها، حينها تواجه تلك الأصوات رفضاً إما من منطلقات دينية أو اجتماعية، وفي الوقت نفسه نجد أن بعض أعضاء مجلس الشورى الموقر يناقشون تجنيس أبناء المواطنات السعوديات من آباء أجانب، ولما لهذا الطرح من بعد إنساني أحترم من يتبناه، ولكنني أرى أنهم ينطلقون من باب «الترف الفكري» البعيد كل البعد عن الواقع المعاش فأصبح «التجنيس» أيقونة بذخ فكري قوامه الانفتاح على العالم واستقطاب الكفاءات وكأن بعض من يطالب بالتجنيس هم فلتات العالم في العلم والاختراع وليسوا عالات من دول مزقتها الطائفية والفقر تبحث عن الرفاهية ومزاحمة أبنائنا في رزقهم ووظائفهم. وكأننا لا نعاني من مشاكل بعض الوافدين وجرائمهم وتجاوزاتهم الأخلاقية، فقبل أن تدافع عن حقوق غيرك دافع عن وجودك وأمنك واستقرارك. أما من ناحية مناصرة قضايا المرأة فالأولى بهم -أي مجلس الشورى- تناول الولاية عليها قبل تجنيس أبنائها الذين لن تستطيع رعايتهم وتولي شؤونهم فهم في النهاية (أولياء أمرها) سواء كان زوجها أجنبياً أو سعودياً، وبالتالي فهناك ما هو أجدر بالمناقشة والطرح تحت قبة الشورى كالأحكام القضائية ضد المرأة، وهذا يشجعني لأسأل: ألم تحرك المجلس مثلاً حادثة الحكم على امرأة من قاض لم يتجاوز الثلاثين بالسجن سنتين ونصف والغرامة، لمجرد أنها تنقلت بين مدن المملكة دون إذن (وليها)، وعليه فقيسوا حال جميع نساء الوطن!.


هذا التجنيس يا سادة يا كرام لن يخدم سوى ذوي الميول الأممية ممن يرون الوطن حفنة تراب لا حدود لها، وبعض الطامعين بهذا البلد العظيم الذي ينعم بالاستقرار والثروات ليصبح جمعية إيواء خيرية في أحسن الأحوال. أما أسوأها فلا شك طمس هويتنا والإخلال بنسيجنا الاجتماعي وتلاشي مكوناتنا الأساسية ما يجعلنا نندم مستقبلاً، فالأمر لن يتوقف عند تجنيس هذه الفئة بل سيفتح الباب لتجنيس فئات أخرى، خصوصاً أن هناك أصواتاً تطالب بتجنيس جميع مواليد السعودية سواء من أم سعودية أو أبوين وافدين!.

هل أنا نازية.. عنصرية.. شريرة، كما يحلو للبعض وصفنا!، فليكن طالما أكتب دفاعا عن مكونات وطني واستقراره وبقاء طوائفه وشرائحه وأعراقه وقبائله، وطالما أكتب قناعاتي من دون تمظهر مع قناعات لا تتفق وهذه القناعات الرافضة للتجنيس، أما إن كان لقيادتنا رأي أبعد وأعمق مما أقرأه فسمعاً وطاعة!.

أخيراً.. وعوداً على الرعب الذي قصدته في قصة الجماجم هو تخيلي لجمجمتي وجماجم أبنائي وقبيلتي تزين جدران بيت القادمين الجدد، وصورنا التي ستكون مثار انبهار زوار متحف «الزواحف الصحراوية» بعد كم عقد تحت اسم «سكان الصحراء الأصليين»!.

hailahabdulah20@