عبدالرحمن الحميري
عبدالرحمن الحميري
Romantic_stylish_art_drawing_09
Romantic_stylish_art_drawing_09
-A +A
عبدالرحمن الحميري *
لي أقرباءٌ من كل أنحاء العالم

يجلسون بجوار النوافذ في المقاهي


ويحدّقون إلى الخارج، بشرود المنبوذين

الذين لا ينتبهون للحياة، إلا من خلف زجاج

تجدهم هناك، في خلوتهم الزاهدة

مثل قدّيسين؛

عرفوا الحقيقة، وأصيبوا بالخرَس

في أعينهم شفقةٌ يائسة على الوجود

تبلّد الحزن على وجوههم،

حتى صارت أضرحةً رخاميةً باردة

يصغون باندماجٍ عميق؛

لشيءٍ لا تدري ما هو

يراقبون هستيريا الأضواء والأبواق

من خلف الفاصل الشفّاف

كأنهم نوتاتٌ مبعثرة في هامش دفتر الموسيقار

لا يسمعون النادلة من أول مرة،

عليها أن تكرّر السؤال، بصوتٍ أعلى

حين تستفسر منهم إن كانوا يحتاجون شيئًا

ليجفلوا من سرحانهم، كظباء حالمة

بفزعٍ مضحك، وهم يبتسمون بارتباك

ويلهجون بالشكر، مؤكدين بأن كل شيء بخير

لطالما كان كل شيء بخير بالنسبة لهم

إن كان ذلك يضمن أن تدعهم وشأنهم.

لا يعترضون على أغاني الروك الصاخبة في المقهى،

ولا يبدون امتعاضهم من التكييف السيئ،

ويشعرون بخجلٍ لا يعرفون سببه؛

إذا اضطروا لطلب ورقة الـWi-Fi لساعةٍ ثالثة،

حتى لا ينقطع تدفّق الموسيقى الحريرية إلى آذانهم

من أجهزتهم المتصلة بالإنترنت.

لا ينهون أكثر من ثلثي كوب قهوتهم،

يغفلون عن الثلث الأخير،

وهم منشغلون بتأمل انعكاس فتاةٍ جميلة على الزجاج

لأنهم لا يجرؤون على الالتفات نحوها

سيظلّون أوفياء للزاوية الحادة

التي تسمّر أعناقهم،

وتطلق أبصارهم نحو مجرةٍ لم تطلْها التلسكوبات.

أولئك هم أقربائي

وفي كل مرة؛

أجلس بجوار النافذة

أحدّق إلى الخارج

بنفس تلك الزاوية الحادة

أضع يدي على الزجاج،

كمن يتحسّس بابًا سريًا

وأصافحهم،

واحدًا واحدًا.

* شاعر إماراتي