-A +A
أحمد عجب
نشطت هذه الأيام بشكل ملحوظ الإنذارات المبكرة التي تطلقها الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة، حول التقلبات الجوية

على معظم مناطق المملكة، محذرة من الأضرار الجسيمة التي قد تلحق بالإنسان جراء موجة الغبار العارمة والرياح النشطة المثيرة للأتربة، والغريب في الأمر أن كافة المتابعين لهذه التقلبات المناخية الخطيرة، لا ينتظرون سوى قرار إدارة التعليم لتعليق الدراسة عن اليوم التالي حفاظا على صحة الطلاب، وكأن الغبار يأتي لأجوائنا ليتصيد الأطفال فقط فيما يكتفي بإلقاء السلام على الأشخاص البالغين والمكلفين ويمضي إلى حال سبيله!


الغبار لا يعرف صغيرا ولا كبيرا، ولا يقتصر ضرره على مصابي الربو فقط كما هو شائع، فقد أوضحت من قبل منظمة الصحة العالمية أن العواصف الترابية التي حدثت في صحراء أفريقيا عام 1996 تسببت في انتشار وبائي لالتهاب السحايا أصاب 250 ألف شخص توفي منهم 25 ألف إنسان، وكان السبب الرئيسي في انتشار العدوى هو حمل ذرات الغبار للبكتيريا المسببة لالتهاب لمسافات طويلة، كما أظهرت الأبحاث أن تعريض خلايا الرئة والقلب والكبد لجزيئيات الغبار بتركيز عال يزيد من أكسدة الخلايا ويشكل تهديدا صريحا لحياة الإنسان.

لهذا فإن اللوم يجب أن لا يقع فقط على تأخر إدارة التعليم ببعض المناطق في اتخاذ قرار تعليق الدراسة وتهديد سلامة الطلاب، بل يجب أن يتعداه لوزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل، والتي يتعين عليهما منذ اللحظة التفكير جديا في آلية واضحة لتعليق دوام الموظفين والعاملين بما يضمن لهم السلامة من جهة ومن جهة أخرى يضمن للمجتمع سير خدمات المرافق العامة بأقل عدد ممكن من الأفراد (مع تجهيزهم بالكمامات وأدوات الحماية وصرف بدل الخطر لهم)، أما أن تترك الأمور هكذا بالبركة أو بهذه الانتقائية غير المبررة فإننا قد نتفاجأ في قادم الأيام - لا قدر الله - بكارثة طبيعية تكلفنا أضعاف أضعاف الخسائر التي كنا نتوخاها من قرار التعليق !

من الناحية القانونية فإن الموظف أو العامل الذي يتغيب عن العمل بفعل الغبار الكثيف المضر بالصحة والذي تنعدم معه الرؤية عند قيادة المركبة، لا يمكن إيقاع الجزاء الإداري عليه؛ لأن غيابه بهذه الصورة يعد بناء على سبب مشروع، كذلك الشركة التي يتعذر عليها الوفاء بالتزاماتها التعاقدية مع العملاء بسبب موجة الغبار لا يمكن فرض الغرامات عليها أو تنفيذ الشرط الجزائي بحقها؛ لأن من أهم الشروط التي تنص عليها عقود المقاولة والتوريد مثلا هو تعليق تنفيذ العقد لمدة تصل لشهر أو شهرين بفعل القوة القاهرة والكوارث الطبيعية كالعواصف والزلازل والأمطار الغزيرة المسببة للفيضانات.

أغرب ما في الموضوع أن وزارة العمل طوال فصل الصيف تحذر وتتوعد كل من يشغل العمالة الوافدة تحت الشمس، لكنها اليوم لا تنبس ببنت شفة تجاه تشغيل الموظفين السعوديين وسط الغبار، وتستخسر فيهم تعليق العمل ليوم أو يومين بالسنة، وكأنها تقول إن النواحي الإنسانية قاصرة على فئة دون غيرها.

ajib2013@