-A +A
عبدالله صادق دحلان
الأصل في العلاقة بين القطاع الخاص وصناع القرار هو الثقة، وإذا كان هذا المبدأ هو الأساس فإن الثقة في كل قرار تصدره القيادة رغبة في التنظيم والإصلاح هي واجبة، والإصلاح في الأغلب والأعم يستهدف خدمة المجتمع بأكمله، والتطوير في الأنظمة والقوانين واللوائح يؤثر أحيانا سلبا على أصحاب المصلحة نتيجة تعودهم على أسلوب وطريقة بنيت على أساسها خططهم وسياساتهم الاقتصادية، وصانع القرار لا ينظر إلى مصلحة جانب واحد ويغفل الجوانب الأخرى، ونظرا لأننا دولة اعتمدت منذ إنشائها على إيرادات النفط، تأخرنا كثيرا في تغيير النهج الاقتصادي إلى التنوع في مصادر الدخل لإيرادات الميزانية، وعندما استدعت الحاجة للدولة وتغيرت ظروف أسعار البترول بدأ التخطيط لفرض الضرائب بداية من ضريبة القيمة المضافة، وبدأ البحث عن مداخيل إضافية، وهي من حق الدولة ولكنها استغنت عنها في فترات الوفرة، والعودة لها لا يعني استهداف المجتمع أو القطاع الخاص، وإنما هو إشراكهم في تحمل المسؤولية المالية لإدارة المشاريع التنموية في الوطن.

وكما أسلفت فإنه بمقارنة أنواع الضرائب وقيمتها في العديد من دول العالم المتقدم والنامي تظل ضريبة القيمة المضافة في المملكة هي الأقل قيمة والوحيدة ضمن حزمة الضرائب الأخرى المفروضة في دول أخرى. وقد تلجأ لها في السنوات القادمة إذا استدعت الحاجة وهو حق لها.


ومن مهام ومسؤوليات الدولة تعليم أبنائها وتدريبهم ثم إتاحة الفرصة لهم للعمل، وفي ظل كثافة العمالة الأجنبية التي وصلت إلى حوالى 11 مليون وافد، منهم حوالى ثلاثة ملايين يمكن إحلالهم بعمالة سعودية وصلت نسبة بطالتهم لعدد السكان حوالى 12.5%، ورغم جميع الجهود والقرارات الصارمة والمكلفة على القطاع الخاص إلا أن نسبة السعودة مازالت ضعيفة، ورغبة في تحقيق الهدف الرئيسي وهو خفض نسب البطالة وتشغيل الشباب السعودي وهو حق لهم، فإن الدولة ممثلة في وزارة العمل فرضت أخيرا رسوم الفاتورة المجمعة للمقابل المالي على العمالة الوافدة مما أقلق حوالى مليون وثلاثمائة منشأة في القطاع الخاص صغيرة ومتوسطة.

وبحسب ما تم الإعلان عنه مسبقا بأنه سيتم تطبيق رسوم على الأعداد الفائضة من العمالة الوافدة عن أعداد العمالة السعودية في كل قطاع بمبلغ 400 ريال شهريا عن كل عامل وافد، وإذا كان عدد العمالة الوافدة أقل من العمالة السعودية في المنشأة ستدفع مبلغ 300 ريال شهريا عن كل عامل وافد وسيدفع كل مرافق مبلغ 200 ريال شهريا وبذلك سيكون من المستهدف تحصيل مبلغ حوالى 24 مليار ريال في عام 2018م نتيجة برنامج رسوم العمالة الوافدة.

ورغم ردة فعل بعض أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وأيضا الكبيرة المنزعجين من صدور القرار، ورغم تحذيرهم من إغلاق بعض المؤسسات الصغيرة أعمالهم، ورغم المكنة الإعلامية التي تم تسخيرها للتعبير عن استيائهم تجاه قرار الفاتورة المجمعة والمطالبة بإلغائها.

إلا أنني وأنا أحد من ينطبق عليهم قرار الفاتورة المجمعة، أؤكد أن القرار لم يقصد به هدم المؤسسات الصغيرة أو غيرها، وليست من مصلحة الوطن خروج آلاف المؤسسات الصغيرة من نشاطها أو إفلاسها وهي تمثل 90% من القطاع الخاص، وقد يكون الأثر السلبي المالي مؤقتا وعلى المدى القصير، وإنما على المدى الطويل سيكون مردوده أكبر وأكثر فائدة على الاقتصاد المحلي وعلى نموه.

وأجزم أن قرار الفاتورة المجمعة ليس هدفه تحميل القطاع الخاص أعباء مالية إضافية، أو الهدف تغطية عجز الميزانية من رسوم إضافية فقط، وإنما الهدف منه رفع نسبة تشغيل العمالة السعودية والتي ستحافظ على توطين إيراداتها داخل السوق السعودي وبالتالي تدفع حركة دوران السوق في الوقت الذي تنفق العمالة الأجنبية الثلث وتحول إلى أوطانها الثلثين وهو حق لها، وعلى وجه الخصوص بعد خروج عوائلهم المرافقة نتيجة فرض الرسوم عليهم.

وإذا جاز لي الاقتراح لموضوع الفاتورة المجمعة، فإنني أقترح أولا أن تقوم وزارة العمل بشرح أسباب فرض هذه الرسوم والهدف منها، ومن هو المستفيد الأخير، ليعلم الجميع الأسباب والهدف وراء فرضها لأن هناك لبساً في المفهوم.

وأقترح ثانيا تقسيط قيمة الفاتورة على عام كامل وليس ستة أشهر، وكذلك أتمنى أن تحول إجمالي قيمة الفاتورة المجمعة والمحصلة سنويا في حساب خاص لدى صندوق الموارد البشرية، ليعاد دفعها لنفس المؤسسات التي تدفع الفاتورة وحسب قيمة مدفوعاتها كدعم لتدريب العمالة السعودية، وقد سبقت هذه تجربة رسوم السعودة التي أعادها للمؤسسات صندوق الموارد البشرية.

وأخيرا ينبغي أن نتوقع بأن المستهلك سوف يتحمل جزءا من تكلفة الفاتورة المجمعة.

ومن يرغب تفادي دفع فاتورة المبالغ المالية المجمعة، عليه العمل على تدريب العمالة السعودية وهو الحل الأمثل لتفادي دفع أي مبالغ لوزارة العمل.

* كاتب اقتصادي سعودي