-A +A
محمد أحمد الحساني
تتبادل أمانة محافظة جدة وفرع شركة المياه بالمحافظة منذ فترة الاتهامات حول مسؤولية كل جهة عن المياه الجوفية المنبعثة من الأرض والمكونة لتجمعات مائية تصبح مع مرور الأيام بيئة خصبة لتوالد الحشرات الضارة من ذباب وبعوض، ولما قد ينشأ عنها من أمراض معدية مثل حمى الضنك ونحوها من الحُمّيات والأمراض التي تسببها الحشرات، وكان آخر الاتهامات المتبادلة التي تبادلتها وسائل الإعلام ومنها الصحف المحلية تقاذف المسؤولية عن المياه الجوفية التي ظهرت في أحياء سكنية بشرق جدة، فالأمانة ترمي المسؤولية على الشركة والأخيرة تقول إن هذه المنطقة خارج اختصاصها، والنتيجة النهائية هي استمرار تضرر الأهالي من الروائح الكريهة ومن الأمراض التي تتسبب فيها الحشرات النامية في المستنقعات الآسنة، ومن المعروف أن صلاحيات البلديات والأمانات محددة في النظام بإنشاء شبكة لتصريف السيول داخل المدينة أو المحافظة التي تعمل بها، كما أن شركة المياه أو ما كان يُعرف سابقاً بمصلحة المياه والصرف الصحي مختصة بعمل شبكة لتصريف مياه الصرف الصحي بصفة خاصة والمياه الجوفية الآسنة بصفة عامة، وهي مياه غالباً ما تتكون بسبب عدم وجود شبكة للصرف الصحي واعتماد المنازل على خزانات تسمى شعبياً (بيارات) لاستقبال الصرف لكل منزل، ومنها تتسرب المياه الآسنة مع مرور الأعوام إلى جوف الأرض فإذا ارتفع منسوبها ظهرت وسالت على السطح وكوّنت بقعاً تزكم الأنوف ويتوالد فيها البعوض والذباب وغيرها من الآفات.

وأذكر أن شمال جدة ظلَّ محروماً من شبكة الصرف الصحي لعشرات السنين، ولما سألت الصحافة المدير العام للمياه والصرف الصحي بمنطقة مكة المكرمة الدكتور يحيى كوشك عن سبب عدم تمديد شبكة في شمال جدة مع أنها أخذت تضم أرقى الأحياء والكورنيش البديع شكلاً، أكد أن المصلحة كانت تنوي تنفيذ مشروع للصرف في أحياء شمال المحافظة إلاّ أن أمانة جدة طلبت تأجيل المشروع حتى انتهاء تخطيط الأحياء وإنشاء الكورنيش، وأنه غادر موقعه الوظيفي بعد ذلك وظلت المنطقة بلا شبكة صرف صحي لما يزيد على ربع قرن، وظهرت مشكلة المياه الجوفية خاصة أن شاطئ البحر قريب منها وأرضها مُشْبَعة أصلاً بالمياه المالحة، وأصبح المشروع يُكلّف أضعاف ما كان يمكن أن يكلّفه قبل أربعة عقود ولم يزل العمل يجري فيه حتى تاريخه ببطء شديد!


وعلى أية حال فإن تبادل الاتهامات والتملّص من المسؤوليات لن يحل مشكلة جدة من بقع المياه الجوفية أياً كان مصدرها، وإن كان النظام والاختصاص يميل نحو تحميل الشركة المسؤولية ولكن المتضرر الأكبر بعد المواطن هو نشاط الأمانة الذي يتمثل في محاربة التلوث البيئي وتكاثر الحشرات وظهور أمراض الحميات وتكسر طبقات الأسفلت وتخريب الأرصفة والمزروعات، ولا فائدة من استمرار هذا التلاسن بين الجهتين بل قد يحتاج الأمر لجهة ثالثة أعلى منهما (يَقرع بينهما) قبل أن يأتي من التراب يكشّ، فمن هي هذه الجهة؟!

mohammed.ahmad568@gmail.com