-A +A
عيسى الحليان
لا يوجد بلد في العالم من دون صناعة رأي عام، فمن يصنع هذا الرأي العام في المملكة ؟ وكيف تتم صياغة ملامحه، وتشكيل وعي المواطن إزاء جملة من القضايا العامة ؟ هل يتأتى ذلك من خلال أدوات التواصل الاجتماعي أو الصحافة أو الفضائيات أو المنابر العامة أو الاتصال الجماهيري المباشر أو من خلال مجموع هذه الأدوات مجتمعة وبأوزانها النسبية المختلفة ؟ سؤال مهم في هذه المرحلة، وقبل البحث عن الإجابة (الغائبة) عليه، ينبغي أن نتجاوز موضوع الفروقات في موجهات الرأي العام ومنهجيات بنائها، مقارنة بالدول الأخرى، آخذين بعين الاعتبار أن تشكيل هذا الوعي كان يستند في الماضي على تفسير واحد للأحداث، على اعتبار أن موجهات الرأي العام في البلاد كانت تقوم على ثوابت دينية وسياسية واجتماعية مسبقة، وهو ما سهل على المؤسسة الرسمية والأهلية بناء منظومة المفاهيم التي تنسج من خلالها منظومة الرأي العام، إلى أن اقتحمت هذه الموجهات الجديدة فضاءنا فجأة لتؤدي إلى خلط الأوراق وتعصف بالأخضر واليابس !

والحقيقة أن مثل هذا الموضوع ينبغي أن يطرح على الساحة الوطنية لمعرفة اتجاهات وتوجهات الرأي العام من ناحية وتأثير هذه الموجهات الجديدة على جملة من القضايا المهمة من ناحية أخرى، خصوصا أن المعلومات تشير إلى وجود ما يقارب 55 مليون مشترك في الإنترنت، وأن 94% من مستخدمي الإنترنت يمتلكون حساباً على منصات التواصل الاجتماعي، منهم 89% يمتلكون حسابات على مواقع الفيسبوك و75% على تويتر وهكذا.


وهنا ينبغي عدم الخلط بين دور موجهات الرأي العام الجديدة التي تقوم اليوم بأكبر حملة تشويه في تاريخنا السياسي والاجتماعي لتشكيل ثقافات فرعية بديلة، وقياس الرأي العام والذي يهدف فقط إلى قراءة مثل هذه التوجهات سياسيا واجتماعيا وفكريا فقط.

والحقيقة أن الرأي العام أصبح اليوم يحتمل جملة من الثنائيات بفضل هذه الموجهات الجديدة بعد أن كان يقوم على الأحادية، وهذا تطور نوعي، لكن الإشكالية عندما يتبارى على تشكيل هذا الرأي فئات (معرفات) تحمل أجندات جديدة ولها رؤى فلسفية مختلفة تعتمد من خلالها أحيانا على إثارة البلبلة ومحاكاة توجهات الجماهير حتى وإن كانت ضارة أو خاطئة، وهو ما أدى إلى خلق نموذج الفرد المثالي (اليوتيوبي) الذي تقوم ملامحه على الرفض المطلق والنقد الاجتماعي، وهذا ما يتطلب بناء مؤسسات مدنية لقراءة مثل هذه التوجهات وتحليلها، وانفتاح الإعلام الرسمي والاجتماعي على المجتمع وزيادة جرعاته من حرية النشر، ليكون شريكا بل ومنافسا لهذه الموجهات التي تلعب وحيدة في الساحة وتحت مظلة مسمى واحد اسمه حرية النشر !