-A +A
أحمد عجب
ثمة سؤال محيّر يحتاج إجابةً شافيةً، من أجل قفل هذا الموضوع نهائياً، إما بـ(لا) فتتم على إثره المحاسبة لكل المتورطين فيه، أو (نعم) ويشرع الباب للجميع، فيعفي من أراد ممارسة هذا النشاط لحيته ويقصر الرداء ويلبس ثياب التقوى والوقار ويدخل برجله اليمنى لهذه السوق الرائجة، والسؤال بكل وضوح هو:

هل يحق للشيخ الداعية أن يمارس الدعاية والإعلان لمنتجات الشركات الكبرى التجارية عبر حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي والتربح من وراء الدين الذي يفترض أن تكون دعوته إليه خالصة لوجه الله سبحانه؟!


طبعا هناك من ينافح ويدافع عن الشيخ الداعية مهما كان موقفه سلبياً، حيث اعتاد مثل هؤلاء السير مع القطيع حيثما كانت وجهة الراعي، ولهذا فإنهم يرون بأن الشيخ من حقه أن يعلن ويستفيد مادياً من حساباته مثله مثل بقية مشاهير (السوشل ميديا)، ومثل هؤلاء لا نستطيع إقناعهم أبداً؛ لأن ألسنتهم التي كانت للتو تلهج بالتسبيح وذكر الله تتحول فجأة لألسنة سليطة وطويلة تبث السم الزعاف المخلوط بالعبارات المسيئة والشتائم والكلام غير اللائق!

بالمقابل هناك فئة متنورة يمكنها تناول الأمور بكل وعي وحيادية، ترى بأن الشيخ الذي عُرِف بزهده ووقاره وأحبّه الناس؛ لأنه يدعوهم بالموعظة الحسنة إلى ترك متاع الدنيا والاهتمام بالعبادة من أجل رضا الله ونيل الدرجات العليا من الجنة، من غير المنطق أبداً أن يقع هو في المحظور نفسه الذي طالما حذّر الناس منه، إضافة إلى أن عمله التجاري هذا ينال من شرف الدعوة التطوعي، ويظهره بأنه مجرد استغلال لملايين المتابعين وإثراء بلا سبب، وهو ما سينعكس مع الوقت بشكل مسيء على صورة الإسلام البريئة كليا من مثل هذه الأعمال اللا مسؤولة.

قبل أسابيع ظهر أحد الشيوخ الدعاة بمقابلة تلفزيونية، وقد أنكر حقيقة أن يقوم بالدعاية عبر حسابه لأي من المنتجات التجارية، مؤكداً أنه اختار أخيراً -بعد أن طلّق السياسة بالثلاث وترك الخوض في الأمور الثقافية والاقتصادية والرياضية لذوي الاختصاص- أن تكون تغريداته مقتصرةً في مواقع التواصل الاجتماعي على الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة لتوعية الناس أكثر بأمور دينهم، لكن الشيخ حاول التبرير لزملائه الشيوخ الذين يمارسون الدعاية بأنهم يملكون حسابات عديدة وبملايين المتابعين وبعضهم فتح شققاً بموظفين لإدارتها ومثل هؤلاء يحتاجون لمصاريف ورواتب!!

طبعاً زيادة متابعيك في مواقع الإعلام الجديد خصوصاً فيسبوك وتويتر ويوتيوب، تمنحك عليه (جوجل) آلاف الدولارات كلما وصل عدد المتابعين لمئة ألف وأكثر، وقد ازدادت الأرباح أكثر بتسجيل هذه المواقع في البورصة العالمية، وتضاعفت الأرباح بشكل خيالي بممارسة هؤلاء الشيوخ المشاهير للدعاية التجارية عبر حساباتهم، وهذا كله يحدث دون أي تنظيم أو رقابة، وأتحدى إن كانوا حصلوا على تراخيص نظامية لممارسة هذه المهنة، بل وأكاد أجزم بأن الكثير منهم يعمل بوظائف حكومية بما يتنافى مع الانشغال بالتجارة!

فمتى يتم محاسبة هؤلاء الشيوخ الدعاة على هذا الفساد المالي؟ ومتى تتم استضافتهم والتحقيق معهم عن مصادر ثرواتهم؟ ومتى يظهر لنا أحدهم على الشاشة وقد أبدى الندم واستقام على الطريق الصحيح؛ ليعتذر لمتابعيه وللمشاهدين الكرام، ويقولها بصريح العبارة: لقد طلّقت الدعاية والإعلان بالثلاث؟!