-A +A
طارق فدعق
المصطلح يرمز إلى «الكرمشة»، أي تغيير خصائص الأسطح وإعادة تشكيلها، ويلعب هذا الموضوع أحد الأدوار المهمة في حياتي لأنني حصلت على غترة فاخرة كهدية من ابن عمي د. عبد الله فدعق، ولكنني خجلت أن أفصح له علاقتي المعقدة بالغتر بشكل عام بسبب سهولة جعلكتها وظهور التجاعيد على سطحها، ويتطلب ذلك الكي المستمر للظهور بالمظهر اللائق، والموضوع وصل إلى درجة أنني أصبحت لا أمانع لبس غطاء الرأس المجعلك وخصوصا في ضوء أهمية ترشيد الطاقة، وفواتير الكهرباء الأخيرة. وبالمناسبة، فاستخدام المكواة للتخلص من الكرمشة هو من أكثر الأنشطة المكلفة من ناحية استخدام الطاقة، وكان اختراع المكواة الكهربائية وانتشار استخدامها في مطلع القرن الـ20 هو من أهم الاختراعات، حررت هذه التقنية الرائعة ملايين البشر من شرور المكواة الغليظة الثقيلة التي كانت تسخن على الفحم، وتسببت في أذية ملايين السيدات حول العالم ومنهن والدتي رحمها الله، وللعلم ففي تاريخ المملكة القديم، من النادر أن تجد سيدة واحدة لم تصب بحروق، أو ضيق تنفس، أو أذية أخرى بسبب المكواة التقليدية المرعبة.. وللأسف أن معظم الرجال لا يعلمون خبايا الموضوع وجوانبه الداكنة بسبب حوادثه الكثيرة.

ومن الطرائف أن الجعلكة تؤثر في حياتنا بطرق عجيبة لا نتخيلها، ليس من ناحية الأقمشة فحسب كما ورد أعلاه، ففضلا تأمل في السلع التي نتعامل معها يوميا ومنها «القرنقش».. يعني لا مؤاخذة الفلوس الورقية، ستجد أن أحد متطلبات تصميمها وتصنيعها هي مقاومتها للكرمشة، فمن غير المقبول أن تندثر الرسومات، والكلمات الرسمية، والألوان على سطح العملات الورقية، وبالذات للفئات الصغيرة لأنها تخضع للبهدلة و«الجربدة» أكثر من أخوتها الكبار.. الريال الواحد يتحرك من يد لأخرى بوتيرة أعلى بكثير من الورقة من فئة الـ5 ريالات، وتتحرك الـ5 أكثر من ورقة الـ10 ريالات.. وهي تتحرك أكثر من الـ50.. والـ50 أكثر من الـ100.. والدلوعة الكبيرة تبقى ورقة فئة الـ500 طبعا بألوانها الزاهية وسطحها الأملس. ومعظم العملات الورقية في البلدان المختلفة ليست ورقية فهي عبارة عن توليفة من القطن بنسبة نحو 75% والكتان بنسبة 25%، وذلك لأنها لو كانت ورقية فلن تتحمل «بهدلة» النقل من يد لأخرى بالوتيرة العالية.


ولكن الجعلكة لا تقتصر على النقود الورقية فحسب، فهناك أيضا التحديات التي تواجه تجارة الفواكه لأن التغيرات السطحية وظهور التجاعيد تجعل الفواكه الطازجة غير مرغوبة، والسبب أنها تعلن عن تقادم عمرها أو ربما إصابتها بأمراض، من تفاح، وبرتقال، وعنب، وموز، وكمثرى، كلها تتطلب الأسطح الملساء، ومحاولات تفادي الكرمشة تتم بشتى الطرق سواء لو كانت بالتبريد، أو الحرص في التخزين والنقل، أو المعالجة بالمواد الكيماوية الحافظة لتأخير ظهور التجاعيد، ويستثنى من ذلك طبعا الفواكه المجففة مثل التمور، والزبيب، والمشمش لأن أعمارها ليست من سماتها المطلوبة، وبما أننا في سيرة التجاعيد فلا بد من ذكر البلايين التي تصرف سنويا على التخلص من التجاعيد على وجوه السيدات والرجال بطرق مختلفة، تشمل طبعا الكريمات، والزيوت، والخلطات الأخرى، بل وحتى الإجراءات الجراحية. وبالمناسبة، فمادة «البوتوكس» التي تستخدم لإزالة التجاعيد من الجلد على الوجوه هي عبارة عن مستخلص «سم هاري»، وهو من أقوى السموم في العالم ويستخلص من نوعية خبيثة جدا من البكتريا.. والبوتوكس هي الاختصار لكلمتي «بو» وترمز لاسم البكتيريا «بوتيونوليم» على وزن «بات وناول ميم». و«توكس» يعني سم باللاتينية.

أمنيـــــة

اليوم نجد أن بعضاً من أجزاء الأرضية الجيوسياسية في منطقتنا قد أصابتها الجعلكة بطرق عجيبة، فأصبحت حكومات بعض الدول المجاورة تتصرف بطرق صبيانية عجيبة لدرجة لا يمكن فهمها أو تبريرها.. والمشكلة الأكبر هي أن معالجة ذلك وإعادة الأمور إلى أوضاعها السابقة ستكون صعبة جدا.. يعني لن تكون الحلول العربية التقليدية الشاملة للأحضان والتبويسات، وقد تتطلب الكي الساخن جدا، أو السم الهاري.. والله الهادي، وهو من وراء القصد.