-A +A
هيلة المشوح
لنتحدث عن ريم قليلاً لمن لا يعرفها:

ريم مغردة في تويتر كتبت قبل أيام تغريدة عفوية جداً، لم تكن تعلم بأنها سوف تحصد كل هذا التفاعل وكل هذه الردود والنقاش حولها، وكانت التغريدة مرفقة بصورة محادثة بينها وبين ابنة أخيها التي تبشرها بقبولها في برنامج الابتعاث، وتخبرها بمباركة والدها - أخو ريم - وفرحته الكبيرة بقبول ابنته، فحوى التغريدة تحكي فيها ريم عن حادثة لها قبل 12 سنة، حين جرها أخوها من شعرها أمام إدارة التعليم في أبها وضربها بالعقال لأنها ذهبت للتسجيل في برنامج الملك عبدالله للابتعاث، حيث لا يتواءم فعلها مع أعراف القبيلة والمجتمع المحيط بها، وهو نفس الأخ الذي يبارك لابنته الخطوة ذاتها في 2018.


حقيقةً وبكل صدق لم أستغرب هذه القصة ولم أشك بمصداقيتها كما فعل البعض، فهذا مجتمعي وأعرفه جيداً، ونعرف جميعاً كيف يُسلم الأخ السيطرة التامة على أخته - غالبا - حتى لو كان الوالد على قيد الحياة، ونعرف كم الجور والظلم الذي يُمارس جراء هذا التسليم المطلق بحجة أن الذكر مسؤول عن الأنثى، وأي أنثى سواء أخت أو بنت أو زوجة أو حتى أم، فهو من يحافظ على شرفها، فالمرأة في أعرافنا «عار»، وسمعتها كعود الثقاب إلخ من الهرطقات المتداولة، والتي كونت ثقافة رجعية ومتخلفة فبات العرف جعل الأنثى تابعة مُسلمة للرجل وتحت ولايته، حتى لو كان البعض منهم لا يستطيع ولاية «قن دجاج» من مدمني المخدرات وأصحاب السوابق والدرباوية والمفحطين أو المتطرفين دينياً والمضربين نفسياً، فالذكر «شايل عيبه»!

حكاية ريم سواء صدقناها أم كذبها البعض منا هي حكاية نكشت واستفزت واستقرت في أعماق كل أنثى «تستشعر واقعها» بصدق وتعي حجم الامتهان الذي تواجهه بعض النساء والفتيات من ذكور أسرهن، وهي حكاية تلامس أيضاً كل من يحمل بين أضلاعه قلباً يتحسس معاناة كل امرأة في مجتمعنا طوقت بقيد ذكوري، له كامل الصلاحيات في التحكم بمصيرها التعليمي والاجتماعي وحتى في مسائل الميراث والاستيلاء على حقها منه أحياناً، فثقافة مجتمعنا الخاصة بالأنثى هي ثقافة توجس وخوف وشكوك، ولا ينفك هذا الشعور يلازم الأسرة حتى تنتقل الفتاة «بزواج البطيخ» إلى ولاية رجل آخر، ويا عالم هل تبدأ رحلة أخرى من التوجس وفرض السيطرة والتسلط الذكوري في مرحلته الثانية وما قبل الأخيرة - مرحلة ولاية الأبناء - أم تنفرج لها أبواب السماء لتجد رجلاً يحتويها ويحترم إنسانيتها ويكمل معها الحياة كشركاء.

من يشكك في حكاية ريم ومن سخر منها ومن اتهمها بأنها مقتبسة من رواية الكاتب فلان أو الأديب علان، فأقول لهم رويدكم يا من «شطبتوا» على حقوق المرأة: فمن أين أتى الكاتب بهذه الحكاية ؟ هل سرقها من تراث الواق واق مثلاً، أم سرقها من حكايات ألف ليلة؟

أليس هذا مجتمعكم، أوليست هذه ممارسات أغلبكم مع أخواته؟ وعيني في عينكم!

ما أكثر هذه الحكايات في مجتمعي وما أكثر الغصات في قلوب أغلب النساء، وما أعظم الشجن بداخل كل امرأة ربت أجيالا وأخرجت أبطالا وعقولا أسهمت في بناء هذا الوطن تنتظر لفتة كريمة من سلمان الحزم وأمير التغيير محمد بن سلمان يحفظهما الله لرفع هذا القيد عن نساء الوطن «قيد الولاية»، ليستقيم المجتمع بعلاقات إنسانية طبيعية قوامها الاحترام المتبادل والثقة بين أفراده نساءً ورجالا، فكم ريما بيننا، وكم شخصا استشاط حين حركت هذه الحكاية (أخو ريم) الذي بداخله؟!