-A +A
عيسى الحليان
قليلة هي الدراسات والأبحاث التي تناولت طوفان الاستهلاك السعودي والثمن الباهظ الذي ترتب عليه طوال هذه السنوات، على حساب برامج الادخار واستدعاء الأسباب الاجتماعية والسيكيولوجية، التي أسست لكل هذا الميل الحدي نحو الاستهلاك، وجعلت من المواطن مديونا على طول الخط ورواتبه مرهونة لدى البنوك، وإن كانت مثل هذه النزعة الاستهلاكية تدور في الغالب حول ثلاثة أسباب أساسية؛ الأول، اعتماد البلد على السلع المستوردة حيث تزخر الأسواق كل يوم بسلع جديدة وجذابة وبراقة وهو ما يحفز على الشراء والمزيد من الإنفاق الاستهلاكي، والثاني أن الفرد غير الناضج تعليميا أو حضاريا والذي يجد نفسه فجأة ثرياً على حين غرة أو على الأقل قادرا على الشراء، سيكون بطبيعة الحال أكثر شغفا بإلانفاق على الاستهلاك بعضه للاسترخاء المعيشي والبعض الآخر للمباهاة الاجتماعية، الأمر الثالث أن مسألة إشباع حاجات الاستهلاك الدفينة، حتى وإن تحققت، فهي تظل مسألة اجتماعية تحتاج لوقت أطول حتى تتجسد على أرض الواقع، وهذه كلها عوامل نفسية واجتماعية متداخلة جعلت من الميل الحدي للاستهلاك في الفترة الماضية أمرا في أعلى درجاتها.

ولعل تدحرج ثقافة الاستهلاك للجيل الجديد والدارجة عليهم من الجيل السابق والتي تعني في مفهومها العام عملية الشراء الذي يتجاوز درجة الإشباع للحاجات الضرورية، إلى إشباع الحاجات غير الضرورية وهو ما يعطي تفسيرا لإغراق أسواقنا بهذا الكم من السلع الثانوية التي تعج بها متاجرنا وخلق العقلية الاستهلاكية النهمة والذي جعل من سوق إعلاناتها فقط سوقا يوازي ميزانيات دول صغيرة.


ولكون الحاجة أم الاختراع فإن غلاء السلع والمحروقات والكهرباء سوف يجعل المستهلك أقل ميلا حديا نحو النموذج الاستهلاكي العام، ربما أكثر من أي وقت مضى، وبالتالي التقليل من فاتورة الاستهلاك العام بما يوازي نسبة الزيادة التي طرأت والتي تعوض في الغالب أيضا من حساب المواطن.