-A +A
نجيب يماني
سنتان ويكمل هذا الصرح العملاق؛ مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، نصف قرن من الزمن، منذ أن وضع حجر أساسه الملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز في العام 1390هـ، وكتب على صفحات الأمل وقتذاك «نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العمل خالصا لوجه الله، وأن يكون فيه الخير والسعادة لأبناء وطننا، ولكل من احتاج إلى خدمة من هذه البلاد وأبنائها، ومن كان فيه احتياج لأن يعالج أو تراعى صحته، وأن يكون عملنا خالصا لوجهه الكريم؛ لا رياء ولا دعاية، وإنما هو قيام بالواجب الذي أوجبه الله علينا لخدمة ديننا ووطننا وأمتنا»..

هكذا جاءت الرؤية، والأرض المخصصة وقتذاك بلقعا صحراء، لكنها كانت غير ذلك في رؤية «الفيصل» وبصيرته النافذة.. وشاءت إرادة الله أن يرحل «الفيصل» عن دنيانا، قبل أن يكتمل بناء هذا المشروع الواعد.. فكان قدر هذا المستشفى الضخم أن يكون ساحة عطاء وإنجاز لأبناء المؤسس في تعاقب العهود الزاهرة، منذ أن افتتحه الملك خالد رحمه الله، ليستمر العطاء في كل عهد من بعد ذلك إضافات جديدة، تتسق مع أهدافه وحزمة الأسس والقيم والمبادئ والغايات التي قام عليها، وأنشئ من أجلها، فشهد هذا الصرح الطبي مرحلة مهمة من التطوير في عهد الملك فهد يرحمه الله، شملت العديد من مفاصله مستنسخاً حلم الفيصل، فكان تخصصي جدة نجاحاً آخر على أرض الواقع. وتوالى التطوير في عهد الملك عبدالله يرحمه الله، حيث زاد في أبراجه، برجا جديدا (برج الأورام) لاستيعاب الأعداد المتزايدة على خدماته الطبية المتميزة، بعد أن أخذت أهدافه بعدا أكثر شمولا بقرار مجلس الوزراء بتحويل المستشفى إلى مؤسسة عامة تضم الرياض وجدة لتحقيق جملة من الغايات والأهداف، أهمها تقديم أعلى مستوى من الرعاية الصحية المتخصصة والتي تكاد تتفرد بها التخصصي مثل علاج الأورام وجميع أنواع زراعة الأعضاء والأمراض الوراثية والجينية والأمراض المرجعية المعقدة والأمراض الاستقلابية، والسعي لتحقيق التميز والابتكار، والتركيز على العناية المتخصصة بمريض الأمراض المستعصية، وغيرها من الأهداف، التي كانت محل اجتهاد الإدارات المتعاقبة على المستشفى منذ إنشائه، محققاً تطلعات القيادة لتوطين العلاج المتخصص لأمراض كانت تكلف الدولة مبالغ طائلة لعلاجها بالخارج، وبخاصة في مجال زراعات الأعضاء. تكللت مسيرته بشهادات التقدير والاعتراف بالتميز من كبريات الصروح الطبية العالمية؛ وما كان لهذا الجهد أن يبلغ غايته لولا الاهتمام الكبير الذي ظل يوليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، فقد مضى على سنة إخوته الأماجد الكرام، وخصّ المستشفى التخصصي بتقديره واهتمامه وتوجيهاته المستمرة لتذليل كافة العقبات، وتوفير كافة الاحتياجات حتى يؤدي هذا الصرح رسالته المنشودة على أكمل وجه، بخاصة وأنه أصبح رمزا من رموز الوطن الطبية التخصصية البارزة، ومضاهيا الصروح الطبية التخصصية في العالم..


ولما كان تطوير هذا الصرح غاية منشودة في سبيل بقاء رسالته وشعلته متقدة على الدوام، كانت التوسعة الجديدة في شمال مدينة جدة لاستيعاب أعداد المرضى المتزايد على طول الساحل الغربي للوطن والمنطقة الجنوبية إحساساً من ولاة الأمر بحاجة المرضى إلى العلاج المتخصص في سرعة ويسر وأمان، خاصة وأن تخصصي جدة بدأ يتوسع في زراعات الأعضاء وهو بصدد افتتاح قسم جديد لزراعة القلب والكبد، يسعى به المستشفى لخدمة مرضى المنطقتين؛ الغربية والجنوبية إكمالا لرسالة تخصصي الرياض، ولكن واقع الحال يشير إلى ضيق المساحة المكانية الحالية في جدة عن استيعاب هذا التمدد، والكل في توق وانتظار انتهاء التوسعة التي اكتملت أبراجها وارتفعت شواهدها في سماء جدة تنتظر اللمسات الأخيرة، ولعلمنا الوثيق، وإدراكنا الذي لا يخالطه شك في مدى اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وولي عهده الأمين محمد الخير بمشاريع التنمية في وطننا، فكلنا نتطلع إلى الدعم الكريم، لإكمال مراحل التشطيب النهائي لمشروع التوسعة الجديد، حتى يبلغ البنيان صورته المرجوة، ويستطيع أن يؤدي رسالته في ظل الأعداد الكبيرة من المستفيدين من خدماته، ولا سبيل إلى تحقيق هذه الغاية إلا بإنجاز مشروع التوسعة، وهو تطلع تتعلق فيه الآمال بعد الله، بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، ملك الحزم والعزم، فتلك أمنية وهو بها جدير، وعليها حريص، بسابق حرصه واهتمامه بهذا الصرح الطبي؛ فهو الذي إن وعد أوفى، وإن قال صدق، خطواته عزم، وفعله حزم، وآفاقه لرفعة وطنه رحبة، ولهذا ملك القلوب محبة، ووسعها عدلاً ورحمة، فكان جديرا بما أولاه الله إياه من مسؤولية إدارة هذا الوطن الأبي، وشرفه بخدمة الحرمين الشريفين، إن مناشدتنا بإكمال مشروع تخصصي جدة، يرافقها يقين صادق في استجابته الكريمة، وتوجيهه السديد لمن يلزم بإتمام هذا المشروع، فهذا ديدن الكبار، وخلق العظماء، وفعل الأوفياء لأوطانهم، ومن لها غير سلمان الذي جعل أحلامنا حقيقة نعيش الفرح بقطارنا ومطارنا وواجهة بحرية راقية تصاحبها فعاليات عالمية رائعة ومشاريع تنموية رائدة، وليس إكمال تخصصي جدة ببعيد عن اهتمام قيادتنا؛ فهي في قلوبنا ونحن في عيونها.