-A +A
وفاء الرشيد
يطلق المثل الإنجليزي The elephant in the Room مجازاً على مواقف تحيط بنا يتم تجاهلها خوفاً من مواجهتها، أو حدث شائك يؤجل الكل الحديث فيه!! بمعنى أنك تجلس في غرفة صغيرة مع فيل كبير يستحيل التغافل عن وجوده، وقد تحاول تهدئته حتى لا يتحرك راجياً منه السلام المؤقت، لتؤجل قراره بدهس من في الغرفة، أو لتجد مخرجاً.. إلى أن يسقط الفرج من السماء.

في كل بيت من بيوتنا العربية هناك فيل كبير يقف وسطها والكل يسايره ويتحاشاه والبعض الآخر لا يعترف بوجوده بدايةً حتى تستمر الحياة.


يجتمع من بخارج الغرفة طوال اليوم لمناقشة أوضاع أهل الغرفة ومن ثم الخروج بتوصيات وخطط وإستراتيجيات، لتطبيق معايير مرحلية تخرج أهل الغرفة بسلام. ويتم تفكيك الحالة وتحليل الواقع الراهن برصد أبعاد سقف الغرفة وعدد الأشخاص وجنسيات الموجودين ومذاهبهم، إلى مساحة الأرض ولون الجدران وأطوال الباب ومفاتيحه وتفاصيل التفاصيل.. اختار الكل أن يتحدث عن كل شيء إلا سيدنا الفيل.. الكل يرى كل شيء إلا الفيل.. فقد قرر الجميع تجاهل الفيل. بينما هو السبب الحقيقي في كل الأزمة التي يعيشها أهل الداخل.

ومع مرور الوقت والمسايسة يتم التأقلم مع الفيل ومحاولة التعايش بعدم التصدر لإخراجه، أصبح لهذا الفيل صاحب حق مكتسب بالحجرة والموجودون الأصليون هم من يتطفل عليه... وأصبح هو بكل تدخلاته بينهم صاحب الحق.. وتحول الباقون إلى الهم والحمل الثقيل على الفيل وعلى أهل الخارج. وأظن أن الكثير من القراء، حتى كتابة هذا السطر يفتح عينيه متوجساً من هوية هذا الفيل! وهل هو منا أو حوالينا؟ سؤال تحتمه مجريات الأحداث، ويفرضه المراقب للمشهد السياسي العربي اليوم.. والمشهد العربي الإيراني بالأخص. النظام الإيراني هو الفيل الذي يتعامل معه العالم الدولي بحذر شديد وتجمل! فبالرغم من مرور أكثر من سبعة وثلاثين عاماً من الوعيد والتهديدات المتبادلة بين أمريكا وإيران من جهة.. وبين إسرائيل وإيران من جهة أخرى، إلا أن التطبيق والأثر لم يكن إلا في ضرب المصالح العربية والإسلامية السنية بالمنطقة، حيث استخدمت هذه العصا كذريعة للنفاذ إلى الكثير من الأراضي العربية بحجة محاربة «الإرهاب»، لتتمدد إستراتيجيات السيطرة والهيمنة الإقليمية والدولية ولتتبدل هتافات التهديد إلى اتفاقيات ثنائية بين أيران وأمريكا وانهيارات لدول كبرى مثل سوريا والعراق، وليستمر المشهد بالتنسيق بين الطرفين بعدها لبناء النظام السياسي في العراق في مرحلة ما بعد صدام حسين، حيث أصبحت الحكومة العراقية الناشئة عن هذا التنسيق تقليدياً (بالتبعية أو تلقائياً) حليفة لإيران اقتصادياً وسياسياً وإستراتيجياً بعلم وموافقة الإدارة الأمريكية، يضاف إلى ذلك التفاهمات والتنسيق العلني بين طهران وواشنطن في ضرب تنظيم الدولة الإسلامية داعش، والذي بالرغم من بشاعته، إلا أن إيران كانت المستفيد الأكبر من الحرب على الإرهاب خاصة، وهي الأشد دهاءً اليوم في التعامل مع المسألة الإرهابية.

وبالرغم من حالة الغليان التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، ما زال هناك غض للبصر عن الخطورة الحقيقية لإيران في المنطقة، فهناك عملية تحركات ممنهجة لمنع هذا الفيل من التحرك والخروج من الغرفة أو حتى الجلوس والانهيار. هم يتحدثون عن البطالة وثورة الجياع وعن ولاية الفقيه من جهة في محاولات لمهادنة وطمأنة الفيل. فعلى الرغم من المكتسبات السياسية الخارجية الكبيرة للتمدد والنفوذ الإيراني، إلا أن شؤون السياسة الداخلية تبقى أساسا لضمان استمرارية النظام مهما حاولوا فيه من ترقيع، فكلما اتسعت الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وانحدرت الطبقة الوسطى إلى مستوى العوز وتم تخصيص الميزانية الجديدة تجاه الصرف على ما يضمن المصالح الخارجية لإيران مثل سوريا وحزب الله لبنان، لتنتهي بالعراق واليمن. كما تم ضخ ملايين الدولارات على المعاهد والمقامات الدينية، في مقابل تقليل الإنفاق على البنى التحتية وإيقاف الدعم الحكومي للمواطنين الإيرانيين، في ظل فساد مالي وإداري واسع، وحياة رغيدة لكل أركان السلطة ومقربيهم.. كلها (في نظري) ستشكل الخطوات الأساسية نحو هاوية النهاية.