-A +A
عبدالله صادق دحلان
من أهم أساسيات الحياة في جميع المجتمعات في العالم هو توفر الخدمات الطبية لمعالجة ورعاية المرضى ومكافحة الأوبئة والحرب على الجراثيم وإجراء الدراسات والأبحاث عن الأمراض الوراثية والأمراض المزمنة والأمراض المنقولة وتوفير الحماية الصحية والعلاج الطبي لها.

ومن أهم إنجازات القيادة السعودية لخدمة الشعب السعودي هو إنشاء المستشفيات بأنواعها العامة والعسكرية، والمراكز الصحية وعلى وجه الخصوص المستشفيات المتخصصة والتي أنفقت الدولة عليها البلايين في البناء والتجهيز والتشغيل والصيانة في منطقة الرياض ومنطقة مكة المكرمة والمنطقة الشرقية وبقية مناطق المملكة، ليخدم كل مستشفى متخصص المناطق المجاورة له، وهي مستشفيات تعالج الحالات التي تعجز المستشفيات الحكومية العامة عن استكمال معالجة المرضى بها.


ومن هذه المستشفيات المتخصصة مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة الذي يخدم المنطقة الغربية قاطبة والمنطقة الجنوبية عسير وجازان ومنطقة مكة المكرمة ومنطقة المدينة المنورة.

ومع مرور عشرات السنين وزيادة نسب النمو السكاني أصبح هذا المستشفى غير قادر على مواجهة الطلب المتزايد عليه من الحالات المرضية المحولة له والعاجلة، وأصبحت مواعيد الكشف والعمليات بعيدة جدا وقد يموت ويدفن المريض والموعد لم يصل إليه. ومن كثرة المرضى والعمليات لم تعد الأسرّة في هذا المستشفى قادرة على استيعاب المزيد، حتى أنه يبقى بعضهم في قسم الطوارئ لمدة أسابيع قبل العملية، وكذلك تزايد عدد المرضى والأسرّة داخل الغرف الصغيرة.

ويرى أبناء مناطق الساحل الغربي أن مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة هو المنقذ لحياتهم عند إصابتهم بالأمراض المستعصية، ونظرا لهذا الوضع المأساوي للحالات المرضية التي تستدعي علاجا متخصصا فقد تبنت القيادة السعودية توسعة كبيرة لمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في مدينة جدة ومنحت المستشفى أرضا مساحتها 2 مليون متر مربع شمال مطار الملك عبدالعزيز لبناء توسعة كبيرة للمستشفى وبناء مجمع طبي يتكون من أبراج طبية عددها ثمانية لعلاج الأمراض المستعصية التي يصعب علاجها في المستشفيات الصحية الأخرى، وتمت بالفعل ترسية المشروع على المقاول وبدأ العمل بهمة كبيرة وارتفعت الأبراج الطبية حتى أصبحت على مرأى من سكان وزوار مدينة جدة، والكل يترقب ويحلم بهذا المشروع الذي سيوفر (1200 سرير) كمرحلة أولى موزعة بين مركز الأورام وأمراض القلب وأمراض الكلى والزراعات المختلفة، ومجهز بأحدث الآليات وغرف العمليات بأحدث التقنيات العالمية، وذلك امتدادا لمستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة الذي حقق المراكز المتقدمة في زراعة الكلى والنخاع العظمي وبدأ بعمليات زراعة القلب والكبد.

ووسط هذه الآمال والطموحات لتحقيق توسعة مستشفى الملك فيصل التخصصي توقف العمل في المشروع منذ سنة وحتى الآن والإشاعات تتناثر بأنه لا توجد اعتمادات لتكملة المشروع، علما بأن هذا المشروع لو تم التفكير لتشغيله بفكر اقتصادي تماشيا مع سياسة الخصخصة حتى ولو جزئيا كما كان معمولا به في السابق على أن يقدم خدماته للمجتمع بأكمله لمن يرغب العلاج بمقابل مادي، وأن يسمح لشركات التأمين بالتعامل معه وتحويل المرضى المؤمنين لدى هذه الشركات إليه.

أجزم بأنه سيكون له مردود اقتصادي جدا كبير، لو وفرت له خطة لتمويله واستكماله من صندوق الاستثمارات العامة على أن يقسّط له السداد بعوائد عادلة، أجزم بأنه سيكون أفضل استثمار لأموال صندوق الاستثمارات، وهذا هو هدف صندوق الاستثمارات العامة، استثمار أموال وفوائض إيرادات الدولة في مشاريع تنموية بعوائد استثمارية داخل المملكة، وأعتقد أن مشروع توسعة مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة أحد أهم المشاريع التنموية في المملكة، وأن فكرة خصخصة جزء من خدمات المستشفى هو مطلب المجتمع بأكمله، وإذا تعذّر تطبيق فكرة التمويل من صندوق الاستثمارات العامة فالاقتراحات عديدة منها السماح للمؤسسة العامة لمستشفيات الملك فيصل التخصصي بإنشاء صندوق استثماري تساهم فيه البنوك والمؤسسات والشركات لتكملة مشاريع التوسعات بشرط أن تتم الموافقة على خصخصة جزء من خدمات المستشفى لضمان عائد ليتم سداد التمويل وعوائده، والأفكار عديدة ومنها أن تتبنى الدولة تكلفة إنهاء التوسعة ضمن ميزانيتها فهو مشروع وطني وأساسي، مع الأخذ بالعلم أن منطقة مكة المكرمة تحتاج إلى حوالى (3000 سرير) لتغطية العجز في المستشفيات الحكومية والأهلية حاليا. وإن إضافة (1200 سرير) سوف تخفض من العجز السريري في المنطقة، كما أن تشغيل المستشفى يسهم في تشغيل ما لا يقل عن (1000) طبيب وطبيبة وممرض وممرضة من السعوديين المتخرجين الباحثين عن عمل، بالإضافة إلى خلق فرص عمل جديدة بتخصصات متعددة.

إن المملكة في أمسّ الحاجة لمشاريع مماثلة وبفكر اقتصادي، وعلى صندوق الاستثمارات العامة أن يكون أول المستثمرين والداعمين لهذه المشاريع الصحية التنموية في المملكة.

* كاتب اقتصادي سعودي