-A +A
فايزة سعيد
في عدمية اللون انحني بخفة البحر

أبصر على سرير الضوء


النور وحيدا يتمايل يرقص يتأوه

يرسم للمدينة جديلة شقراء طويلة

باغتها المطر على حين غفلة

في عرى السراب أذرف دمعة باردة

كصقيع الزمن الجاف وثلج الأرض

فيما أنا أسمع هسيس الريح

خلف نافذة الصمت، أخذت الأفكار تدور

ورأسي يدور والنافذة تدور كما الأرض تدور

أعوم في خراب الأزمنة الفاسدة

وقد رحت ألملم حقائب الوقت الصفراء

أغرق في جبروت الشتات حائرة

أبصر وجهي في مرايا الريح وقد أخذت تعدو خلف النهار

أميرة البياض الهاربة إلى اللاشيء

شرودي يسطو على قسوة الصباح

الصباح الذي يدخن الحزن بمرارة دون أن يحفل بي

وجهي يشرب القلق ويحتسي الضجر

وأصابعي تحفر في الصخر

يسألني بعضي عن بعضي فأجد ألف باب وباب

ونافذة ونافذة وشارع وشارع

يفصلني عني يشطرني نصفين

بين كل باب وباب ونافذة ونافذة وشارع وشارع

سفر ومدينة رياح ورمال

والشمس التي لا تجيء إلا مع العصافير والفراشات

وجدتها اليوم مقتولة على عتبات بيتي

المكان يدور الصمت يدور ورمشي يدور

مرة ثانية أسمع الأغصان تهمس إلى الأوراق

بقصة المدينة التي تنام في مغارة الذئاب

تقاوم الموت والجوع والظلمة

تقاوم الخراب تنفض عن عينيها الرماديتين

غبار الأيام السوداء

بانتظار أن يعود إليها الربيع من جديد

وتبتسم لها الغيوم

تأخذني الأشجار تطير بي الريح تحملني العاصفة

إلى مدينة تنام في مغارة الذئاب

فأرى وجه المدينة يترنح من الألم

وجهاً يكتسحه الرعب تموت فيه الحياة

ويحفر الخوف في أخاديده قبوراً من الحجارة

كل شيء في هذه المدينة محض تراب قالت الأشجار

لم أصغِ إلى ما قالته الأشجار

فقلبي لا يريد أن يصغي فقط يريد أن يموت

كهذه المدينة الشاحبة

أحمل جرحي السفينة والشراع

على جناح فراشة مكسور

وأقفز فوق الحقيقة فوق الصورة وأركض بعيداً

أركض والريح تركض خلفي

أتسلق المطر فيسقط.. يتسلقني المطر فأسقط أنا

نتسلق نحن الاثنان الماء فيسقط

يتسلقنا الماء فنسقط معا أنا والمطر

تبتلعنا المسافة فنبتلع الصمت

نفترش السماء فتفترشنا الشمس

الشمس التي وجدتها اليوم مقتولة على باب بيتي

يسقط الصباح فينكسر رأسه

يسقط النهار فتتكسر أصابعه

يسقط الزمن فتسقط أسنانه جميعها

تسقط المفردة فتغلق الحقيقة أبوابها على نفسها

وأنا أشاهد كل ذلك ولا أفعل شيئا

سوى الموت على الماء

في حين راح ظلي يطفو فوق الماء

يعانق الأوهام يفتح نافذة للعدم

تدخل منها الغربان والنسور والصقور الجارحة

من أنتِ سألني؟ حارس الغضب

لم يطل انتظاره قلت له بحزن سمكة

ضعيت الطريق في أعماق البحر

أنا محض فكرة تمخض عنها جبل

يدمرني انبعاث الدخان من فوهة بركان

على وشك أن يرمي بحممه الحارقة

في سهول ووديان روحي الخضراء المسافرة في الغيب

روحي قهوة الموت المعتادة كل صباح

روحي شمس الخريف الذابلة

روحي عرس الدم المسفوح على الأرض في عيد فصح الذبح

فماذا تعرف أنت عن الفكرة عن الجبل عن روحي الخضراء

سألت حارس الغضب

صمت ولم يجب ولم أحاول مرة ثانية أن أسأله

تدور السماء يدور العالم تدور الطبيعة

يدور القلب تحدثني الجبال أخبارها

ويدعوني البحر إلى أحضانه

أهرب من البحر أركب قطار العاصفة

وأمضي في شوارع بلا عناوين

أفتش في العناوين عن عناوين أتوقف أمام لوحة إعلانية

قد كتب عليها بالأصفر، للنساء فقط

بدت لي عبارة مضحكة

يضحك بها الرجل على نفسه

أبتسم في شحوب المغيب

وأنا أحاول ترتيب ذاكرتي المدينة والحجر

أسخر من رجل ينتقل بين النساء كحانوتي

عواطفه آله تتحرك حسب العرض والطلب

جسده مزار فريد لكل النساء من كل صنف ولون

ومن مختلف الأحجام والمقاسات والأعمار

رجل اعتاد على الافتراس الرخيص

ولم يعتد على الهواء النظيف

خدماته يقدمها على افتراض الحاجة والمزاج

هذا الصنف من الرجال يباع في سوبر ماركت الدنيا

بالعملة المحلية الرخيصة وحتى دون عملة

وقد نجده يعيش بيننا في ثياب راهب

أو عباءة ناسك ومع نفسه في ثياب يلطخها العار

وينمو فيها الدود ويسير القمل

ويحفر فيها القمل ثقوبا سوداء

أخرج من دائرة جحيمي أفيق من غيبوبتي

على عواء كلب هرم يمزق صمت الشوارع والعناوين

فيستيقظ البحر بعد أن كان نائماً

ويدعوني مرة ثانية إلى أحضانه

أنظر إليه بإسراف وأبحر في النسيان

يتطاير من صوتي الحزن وتتعثر على شفتي الكلمات

أعلق على عروة الصباح وردة أخيرة

واشتهي رجلاً ليس من هذا الزمن

يهديني الشمس والقمر والنجوم والحقول دفعة واحدة.

* شاعرة سعودية