-A +A
محمد الساعد
أكبر مؤرق للطاقة في السعودية هو هذا الاستهلاك الداخلي الهائل الذي يصل إلى 4 ملايين برميل يوميا، ولطالما حذر خبراء ومهتمون بأنه قد يأتي اليوم الذي نأكل فيه من جسدنا ونستهلك كل ما ننتج، وعندها لن نستطيع أن نمول حتى حاجاتنا اليومية البسيطة، فما بالنا بتمويل بناء المدن والمطارات والتسليح وغيرها من الأساسيات.

لذلك كله نتفهم سعي الدولة الدائم لتخفيض الاستهلاك وترشيده برفع تكلفة استخدامه، وكذلك رغبتها الملحة في إيجاد بدائل تساهم في تحقيق إيرادات ضخمة توازي إيرادات النفط.


مع رفع أسعار الطاقة بداية السنة الميلادية الحالية يجد البعض صعوبة في فهم الحاجة إلى ذلك الرفع، ولعل وزارة الطاقة قصرت في شرح الأمر للمواطنين وإقناعهم بأن حجم الاستهلاك العالي لا يوازي أبدا الحاجة المحلية الفعلية لدولة مثل المملكة بعدد سكانها وناتجها القومي.

هناك الكثير من التقارير التي تقول إن استهلاك السعوديين من الطاقة سنويا يفوق دولا صناعية كبرى في العالم، وهو لأمر مدهش مع ملاحظة أننا لسنا دولة صناعية مبررا لها أن تحرق كل تلك الكميات التي تذهب فعليا لوقود السيارات وإنتاج الطاقة الكهربائية.

كما أنه من غير المقبول أن نستهلك أو نتساهل في الاستخدام لأننا منتجون للنفط، وبالتالي نتعامل مع الأمر وكأنه مجاني.

ولنقترب أكثر من حجم خساراتنا من الإيرادات النفطية، علينا أن نعرف تكلفة ما نستهلكه.. احسبوا معي، نستهلك يوميا 4 ملايين برميل من النفط، بمتوسط سعر 60 دولارا، مضروبا في عدد أيام السنة، لا شك أنها أموال هائلة، مع ملاحظة أن البيع الداخلي لا تصل قيمته بأي حال من الأحوال إلى سعر السوق العالمي.

كل هذا مقبول، لكن ما هي الحلول الموازية التي يمكن معها تخفيض الاستهلاك طوعا، وتفادي الاستهلاك بسبب رفع أسعاره النهائية.

أهمها البدء في إنشاء مواصلات عامة متعددة الأنواع والخدمة، طبعا نحن لا نتحدث عن إنشاء مترو أو قطارات أنفاق فقط، بل تفعيل دور الحافلات بمختلف أحجامها وتشجيع استخدامها، خاصة في المدن الكبرى التي يتعاظم فيها الاستهلاك نتيجة لحركة المركبات ومتطلبات الأعمال.

دفع الشباب الذين يمثلون 70% من حجم السكان، والكتلة الكبرى التي تستخدم المركبات في تنقلاتها من سن الـ16 لاستخدام وسائل صديقة للطاقة مثل الدراجات النارية والهوائية.

هنا لا بد أن نفكك المشكلات التي قد تقف أمام الشباب عند محاولتهم استخدام الوسائل البديلة، وأهم تلك المعوقات التي تواجه طلاب الجامعات والكليات والموظفين الشباب منعهم من خلع «الثوب والغترة أو الشماغ» وعدم السماح لهم بارتياد مؤسسات التعليم والقطاع العام وهم يلبسون البنطلون والقميص. علما أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كما هو مشهور في سيرته، لبس الجبة والقميص والسروال بكل أشكالها وألوانها.

إذن لا قدسية للبس ولا مظهر معين، بل هو التماهي مع الحاجة، وديناميكية الحياة، ولو عدنا للوراء قليلا لوجدنا أن آباءنا وأجدادنا كانوا يلبسون المشالح في كل وقت من الزيارات حتى المساجد والأسواق.

اليوم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وكثير من المسؤولين لا يلبسون المشالح إلا في المناسبات والاستقبالات الرسمية، وتخلوا عنها في الاجتماعات والزيارات، وهو أمر مقدر ويحترم، وإشارة مهمة إلى أن التخفف من تلك القيود أمر لا ضير فيه.

أنا هنا لا أطالب بتغيير نمطنا الاجتماعي، لكن أن تكون لدينا خيارات أخرى في اللباس والمواصلات، فلو استطعنا إقناع 70% من الشباب باستبدال السيارات الخاصة بالدرجات النارية أو الهوائية، لانخفضت فاتورة استهلاكهم للوقود، وانعكست إيجابا على حجم الاستهلاك العام.

هناك ملايين الحلول التي تبدو صغيرة لكنها مجدية في فعاليتها، نحن في مرحلة تغيير جذري في سلوكياتنا، ليكون منها المرونة في التعامل مع حاجات الشباب للحركة والعمل دون التقيد بلباس يحد منها.