-A +A
عبدالرحمن اللاحم
عندما حدثني عنها أحد الزملاء ظننتها مزحة، لكني تذكرت أن المحامين مزاحهم قليل، ومن باب أولى أن تكون هيئتهم التي تمثل مهنتهم وتدافع عن جنابها بعيدة عن المزاح هي أيضا، إلا أنه وبعد أن دخلت على حساب هيئة المحامين في تويتر وجدت خبر (حراج) الهيئة على أرقام العضوية المميزة في أعلى الصفحة، وتعيد نشره كل يوم، وهو ذات الخبر الذي أخبرني به الزميل العزيز، وكنت ليلتها بين حالتين متباينتين ما بين الضحك والصدمة، وكيف وصل بنا الحال إلى هذا الدرك العميق من التبذل في هيئة يفترض أنها تمثل مهنة عظيمة على مر التاريخ لها وقارها وسمتها، كانت بعيدة عن الابتذال والامتهان، إلا أن القائمين على هذه الهيئة يأبون إلا أن يغمسوها في دركاته فيدنسوها ويتنكروا لقيم هذه المهنة الجليلة من أجل أن يشبعوا رغبات المهووسين بالشهرة السريعة من الطارئين على المهنة، الذين يتخذون منها واجهة اجتماعية وتعريفا يزينون به كروتهم الشخصية المزركشة، ويعلق رقمه المميز على مكتبه تماما كم يفعل الفارغون من كل شيء عندما يلهثون خلف شراء أرقام السيارات المميزة ليلفتوا بها أنظار المارة والعابرين في الطرقات، لأنهم لا يملكون شيئا يميزهم عن هؤلاء البشر إلا (رقماً) لا يبذلون في الحصول عليه أي جهد ذهني على الإطلاق.

لم تفكر الهيئة بأن تجعل من أرقام العضوية المتميزة حافزا لتميز المحامين وتنافسهم في خدمة مهنتهم ومجتمعهم من خلال منحها لمن يسهم في تبني القضايا الاجتماعية، أو يقدم ساعات مجانية من الخدمات القانونية والقضائية لغير القادرين على دفع تكاليف الأتعاب للمحامين، وإنما اختارت الطريق الأسهل وهو البيع، فأصبحت تمارس مهنة (التحريج) الأقرب إلى (التهريج)، وتركت مهمتها الأساسية في تنمية المهنة وحماية جنابها والدفاع عن المحامين والمحاميات، الذين تنتهك حقوقهم في المحاكم في كثير من الأحيان وهم يمارسون مهنتهم، ولم نسمع لها صوتا في حالات منع دخول المحاميات والمتدربات لبعض المحاكم بحجة عدم الالتزام بتغطية الوجه أو لون العباءة، واختارت الهيئة أن تلتزم الصمت وتتوارى عن الأنظار تماما.


إن تطوير مهنة المحاماة هو جزء لا يتجزأ من تطوير القضاء وإصلاحه، وذلك لن يكون في ظل هيئة تقاد بمفاهيم تجارية لا علاقة لها بقيم مهنة المحاماة العظيمة.