-A +A
طارق فدعق
العنوان يشير إلى الاهتزاز الشديد... وسأبدأ بذكر معلومة أغرب من الخيال: أثناء تنفيذ منظومة انطلاق المكوك الفضائي، وتحديدا قبل نحو 7 ثوان من تشغيل المحركات الرئيسة، كان يتم رش الماء على أرضية منصة الانطلاق... كانت مياه «بزابيز» عادية ولكن بكميات مخيفة تعادل محتوى نحو 3 ملايين علبة بيبسي... فضلا تخيل هذه الكمية الهائلة من المياه... وتخيل أنها عند تشغيل المحركات الـ3 الأساسية وإشعال المحركين الصاروخيين يتم نفث كميات هائلة من اللهب على المنصة الأسمنتية... وتتحول معظم تلك المياه إلى بخار في ثوان معدودات، ولذا ترى كميات هائلة من البخار الأبيض يبدو وكأنه دخان أبيض يحيط بمنطقة الإطلاق... والسبب في استخدام الكميات الهائلة من المياه هو تفادي الرجة. تعمل المياه على امتصاص الاهتزاز الشديد الناتج عن الطاقة الرهيبة الناتجة عن تشغيل كل تلك الهيصة عند الانطلاق... والسبب هو أن المنصات التي تنطلق منها المكوكات الفضائية لم تكن مصممة لها، وإنما كانت مصممة للصواريخ القديمة العملاقة من طراز «ساتورن» أيام رحلات أبولو. وكانت تلك الصواريخ تجلس على ارتفاع أكبر من ارتفاع «رصة» المكوك، ولذا لم تعان من الرجة بنفس الدرجة. والاهتزازات التي تتولد بسبب إطلاق المحركات هي كافية لتدمير منظومة المكوك بأكملها من خلال الرجرجة المتفرقة التي تتعرض لها أجزاؤه المختلفة. فضلا الإحاطة بأن وزن المركبة بأجزائها المختلفة عند الانطلاق يفوق المليوني كيلو جرام.. للتأكيد: 2 مليون كيلو جرام.

ولكن المقال ليس عن هندسة الصواريخ، فهو عن الرجة بأشكالها وألوانها المختلفة، وإليكم هذا المثال العجيب من عالم الحشرات: في مثل هذا الوقت من كل عام يشهد العالم سرعة انخفاض درجات الحرارة شمال خط الاستواء، وفي بعض المناطق تكون البرودة شديدة لدرجة قاتلة.


ولكن الخالق بحكمته وهب العديد من المخلوقات التدبيرات اللازمة للحماية من الصقيع الشديد، وإليكم إحدى تلك المعجزات: أكيد أنك يوما ما نسيت زجاجة ماء أو بيبسي في الفريزر، وتفاجأ بأنها انفجرت عندما تحولت إلى ثلج... والسبب هو أن الماء إذا تجمد تزداد كثافته وهذه من خصائصه الفريدة جدا... وهذه أيضا هي إحدى التحديات التي تواجه العديد من المخلوقات في المناطق الباردة جدا.

ويحرص بعضها على السبات خلال فترة البرد القارص، وتفرز مواد بداخلها لتقاوم تكوين الثلج، كما هو الحال في راديتر السيارة، وبعض الحشرات تعلق أنفسها لتكون في حالة سكون تام ليبقى الماء بداخلها في وضعه السائل، بالرغم من انخفاض درجة حرارته إلى ما دون الصفر.

وتسمى الظاهرة «التلاكؤ الحراري» hysteresis thermal، حيث يكون الماء في حالة برودة قصوى لدرجة أنه يصبح الفائق التبريد supercooled water، وتكون درجة حرارته أقل من الصفر، ولكن في حالة تعرض الكائن لرجة، ولو كانت بسيطة، فسيتحول الماء السائل إلى ثلج، وبسبب زيادة كثافته المفاجئة يبدأ في تدمير خلايا المخلوق بسبب التمدد الحاصل في كافة أجزائه، وسبحان الخالق.

أمنيـــــة

والكلام من الآخر: إن هناك رجة أهم بكثير مما ذكر أعلاه... رجة العقول هي أخطر من رجة الصواريخ، والحشرات، والكائنات الأخرى.

وللأسف أن بعض التصرفات التي يشهدها العالم اليوم تعكس الرجة الدماغية في أقوى أدوارها: الاعتراف بالقدس كعاصمة للكيان الصهيوني... والتباهي بالأزارير التي تطلق الصواريخ المدمرة للبشر والعمران... وغيرها من المؤشرات التي تنذر بمخاطر أشد مما شهده العالم قبل الحرب العالمية الأولى في أغسطس 1914 والحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1939. أتمنى أن يكفينا الله شرها، وهو من وراء القصد.