-A +A
أسماء بوزيان
على مدار قرابة نصف قرن، ظلت إيران تصدر ثورتها وأزماتها للدول المجاورة. ولم تأبه لا بالقوانين ولا الأعراف الدولية ولا بقوانين الجيرة واحترام شؤون الدول في المنطقة. وعلى مدار قرابة نصف قرن أيضا مارست إيران وتمارس وصايتها على الشيعة العرب بمختلف الدول في العالم. وكأن وصاية الفقيه هي صومعة الصلاة التي لا يجب أن يحيد عن قبلتها العرب الشيعة.

ومثلما يجاهر الملالي وسلطاته بأحقيته في مد توسعاته المزعومة من خلال الأذرع التابعة له، يتباهى جنرالات الحرس الثوري بالسيطرة على 3 عواصم عربية (بغداد وبيروت ودمشق)، فقد مدت طهران جسرا بريا إلى البرزخ السوري الذي يتيح لها الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. وبذلك تكون قد حققت حلم تشكيل «الهلال الشيعي». باختصار، فإن النظام الإيراني يشعل النيران في المنطقة ويقود سياسة الأرض المحروقة. بالإضافة إلى التهديدات ضد الشعوب في العالم، فالجهاد الشيعي هو من يغذي الجهاد الإرهابي في العالم بأسره.


من الضروري أن نذكر ببعض النقاط التي جعلت السلوك الإيراني العدواني يستفحل في السنوات الأخيرة ويهدد السلم والاستقرار في العالم.

كانت إدارة أوباما أكثر الإدارات الأمريكية المتعاطفة مع النظام الإيراني. فقد سعت لإيجاد اتفاق مع أطراف فاعلة في إيران من أجل تقويض التوسع النووي الإيراني. ففي خضم التناحر الداخلي الذي ساد مختلف الفصائل الإسلامية التي يقودها المرشد الأعلى للثورة، فرضت إدارة أوباما خطة للتخلص من محمود أحمد نجاد وانتخاب حسن روحاني رئيسا في عام 2013 كشرط مسبق للتحرير السياسي والاقتصادي لإيران. وكان من المفروض أن يتحول هذا البلد، في نهاية المطاف بعد انتخاب روحاني، إلى ديمقراطية ليبرالية حريصة على إيجاد مكانها في العولمة الحديثة، إضافة إلى فتح سوق شاسعة أمام الشركات والمؤسسات الغربية، وهو المسعى الذي رافق خطة إدارة أوباما، ثم إعادة دمج إيران في المجتمع الدولي مع تخفيف سياستها الخارجية التي من شأنها أن تحقق الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط.

وقدمت إدارة أوباما النظام الإيراني على أنه درع مهمة ضد الجهادية السنية العالمية. وهو الأمر الذي رحب به المجتمع الدولي في نطاق تقديم «العالم الجديد الشجاع»، ضمن اتفاق من شأنه أن يزيح تهديدات إيران النووية للعالم.

في عام 2009، أرسل أوباما رسالة سرية إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، يقترح فيها التفاوض حول النووي الإيراني، وهو ما يفسر صمته وحرجه حيال ما سمي بـ«الثورة الخضراء»، التي أعقبت إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد في حزيران 2009.

وفي وقت لاحق، أبدت إدارة أوباما رغبتها في التوقيع على صفقة النووي، لكن بإقحام المجتمع الدولي، رغم عدم اكتمال أركان الاتفاق والشروط التي تضمن خضوع إيران لمتطلبات الاتفاق الدولية. وبما أن إدارة أوباما كانت تحضر لهذا الاتفاق الذي وصف فيما بعد بالتاريخي، فقد اضطر أوباما للكثير من التنازلات تمهيدا لبعث صفقة الاتفاق الدولي، وهو ما يوضح جزئيا المماطلة من أوباما في التدخل في سورية والتخلي عن عدم تجاوز الخط الأحمر الذي كان هو نفسه قد رسمه من أجل الإطاحة بنظام بشار الأسد، المدعوم من طهران وموسكو (2013).

وبفعل ذلك، سمح بتشكيل جبهة روسية إيرانية تقود المنطقة نحو دمار شامل. إذ كان تسلسل الأحداث يمكن أن يثبت حق أوباما الذي، على ما يبدو، سعى قبل كل شيء لكسب الوقت، وقدم للنظام الإيراني تنازلات على ضوء أنه حامي المنطقة من الجهاد والإرهاب.

أما في ما يتعلق بمضمون الاتفاق النووي الإيراني والأهداف المحددة في بداية النزاع، وكذا الاحترام الصارم لمعاهدة عدم الانتشار لعام 1968، فإن إدارة واشنطن الحالية، برئاسة ترمب، كشفت عن نقاط خلل في الاتفاق النووي. حيث تمكنت طهران في عام 2015، من الحفاظ على معظم بنيتها التحتية النووية، ومنحت فوق ذلك «حق الإثراء». كما أن مؤيدي الاتفاق، أشاروا إلى التقارير الإيجابية للوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن تطبيق نظام التفتيش. وتجدر الإشارة إلى أن بعض المواقع العسكرية ومراكز البحوث لا تزال مغلقة لحد اليوم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن النظام الإيراني لا يحترم أحكام القرار 2231 المؤرخ بـ20 تموز 2015، الذي يدعو إلى إنهاء البرنامج الباليستي الذي يركز على بناء القذائف المتوسطة والطويلة المدى.

فتجميد البرنامج النووي الإيراني لمدة 10 سنوات هو في الحقيقة استكمال للبرنامج النووي المستقبلي... فبعد عام 2025، لن تضطر طهران إلا إلى اتخاذ الخطوة النهائية قبل الحصول على السلاح النووي، ثم تجميع النواقل والرؤوس النووية الحربية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن طهران لا تحترم إطلاقا الاتفاق الذي يرمي إلى «الإسهام بصورة إيجابية في السلام والأمن في المنطقة».

لقد فقد أوباما رهانه على تحسين العلاقات الأمريكية الإيرانية، ودفعها للتأثير الإيجابي على بشار الأسد، ولم يتمكن من ضبط سياستها على المستوى الإقليمي. فإيران التي دعمت الطائفية في العراق، دفعت بشكل مباشر إلى ظهور «الدولة الإسلامية أو ما يعرف بتنظيم داعش». ولم تراع طهران حكم الجيرة طالما أن أهم أهدافها السيطرة على العالم من الشرق الأوسط إلى شرق البحر الأبيض المتوسط.

* إعلامية عربية مقيمة في باريس

asmek2@