-A +A
فؤاد مصطفى عزب
تعجبني كثيراً حكاية صاحب المنزل الذي سبق الحرامي والقصة لمن لا يعرفها.. أن رجلاً لحق بلص سرق بعض ما يملك.. كان اللص يركض والرجل يركض وراءه واستمر السباق مسافة طويلة، كان الرجل يفكر أثناءها بأمور كثيرة أنسته الأمر، الذي من أجله ركض.. لحق باللص إلا أنه بدلاً من أن يمسك به ظل يركض حتى سبقه وظل يركض.. كثيرون منا يسبقون الحرامي أقصد ينسون أهدافهم الحقيقية في الحياة ويظلون يركضون يستهلكون طاقتهم وأخلاقياتهم ومبادئهم فيما هم حققوا بالفعل أهدافهم التي حددوها في بداية حياتهم.. كان هاجس الفرد منا بعد تخرجنا وعودتنا للوطن أهدافا محددة تتمثل في الحصول على سكن مناسب والارتباط بزوجة صالحة وإنجاب أطفال لتكتمل زينة الحياة والتحصن المعنوي برصيد مناسب، تحسباً لكوارث الزمان وممارسة المهنة التي اُبتعثنا من أجلها.. كنت أعتقد أنني و صديق لي أننا نتشابه في ذلك ونتشابه في أشياء كثيرة أخرى.. غير أن ما صادفته من (ألغاز بشرية) في حياتي وهو أحدهم جعلني أؤمن بأن العثور على شخصين متشابهين في المبادئ والأخلاق والمثل أصبح أصعب من العثور على شخصين لهما نفس ملامح الوجه وشكل العينين وحجم الأنف وبصمة الإبهام.. فما أشد تنوع الطبائع بين البشر.. صديقي هذا ما إن انتهى من تحقيق أبعد من الأهداف الرئيسة في حياته حتى تحول إلى آلة منتجة لضخ العملات النقدية وإيداعها في اتجاهين حساباته الخارجية والداخلية.. أصبح المال هو الهدف الأول والأخير في حياته.. تلاشت معاني كثيرة وجميلة عرفتها عنه أصبحت رؤية أوراق المال لديه أكثر متعة من الوفاء بحقوق الآخرين، وتلك صفة كنت في وقت ما أراهن عليها وأصبح البعض حالياً يذكروني بها.. تحول ذلك الإنسان بين غمضة عين وانتباهتها إلى جراد يأكل الأخضر واليابس، قد يكون عمال فقراء من الهند أو سيريلانكا أو بنغلاديش أو الفلبين يعيشون في ظروف صعبة في هذه البلاد البعيدة عن أوطانهم الأصلية، فقد بلغ فيه النهم حد الرغبة في الاستحواذ على كل شيء أصبح اهتمامه ملحوظ بجمع المال واختلفت لديه المفاهيم وغاب عنه ضوء العقل، فأصبح لا يميز بين الحق والباطل ولا يجد غضاضة في سلب الآخرين حقوقهم وهذا هو حال المال، فالمال كالحصان الجامح إن لم تروضه قتلك أو على الأقل أفقدك توازنك، خصوصا إذا تجمع بعد شح وأقول شحاً وليس فقراً، فصديقي عاش محروماً على الرغم من أنه نشأ في ظل ثراء فاحش.. وتطورت ثروته وتضاعفت وانخرط في العمل في كل ما يجلب له مال بغض، النظر عن نوعه ومصدره و أصبح يؤمن إيماناً جازماً بعبارة (أنني أعرف تماماً أهدافي وليس من حق أحد أن يعرقل مسيرتي وإن حدث طحنته)، كان يغضب بشدة إذا وقف أحد في طريقه ويقاوم هذا بشدة وعاش عزلة من ذهب، حيث تجنبه أصدقاؤه أو من كانوا أصدقاءه، وأصبحوا ينفرون منه كما ينفر الطائر من الرصاصة، بل ومن حاول العمل معه انتهى بهم الأمر إلى التقاضي في المحاكم والتي أصبحت مقره الدائم بحكم عدم قدرته على تغيير جلدته في الاعتراف بحقوق الآخرين وإن اعترف بها أمعن في المماطلة والتسويف والمراوغة، بحيث أصبحت هذه الصفات جزءا لا يتجزأ من اسمه وسمعته فتعامله مع القضايا معاملة الأرجوز والمناديل الملونة التي تخرج من القبعة عند الحاجة، فلكل قضية تهمة ولكل مطالبة حكاية وكأننا في بلد الواق الواق.. وتحولت ملامحه إلى ملامح قاسية تنم عن قلب من صخر وهذا حال من فقد الأمان النفسي، فالجميع يطاردونه والكل يقاضيه حتى أصبح يهرب من ظله.. كنت أسمع من أمي -رحمة الله عليها- أحياناً تصف الشخص الشره في الأكل (بأن عينه أوسع من بطنه) ثم مرت الأيام وعرفت أن هذا الاصطلاح لا يقتصر على الطعام فقط، بل يمكن تعميمه على الإنسان النهم للمال أيضاً.. أحمد الله جل وعلى أنني لم ولن أكون يوماً ممن يسبقون الحرامي.. فقد تعلمت أن متعة الحياة لا تتطلب مالاً كثيراً فكم من مال لم يستطع شراء لحظة سعادة..

fouad5azab@gmail.com