محمد عبده
محمد عبده
-A +A
فايز الغامدي (جدة) fayez_gh@
لا ندري أيهما عاد أولاً: الحفلات الغنائية في السعودية، أمْ محمد عبده؟ أم كلاهما معاً، إذ كان جمهور الفن في المملكة، عبر سنين مضت، يُبحر عبر أمواج «الخليج»، لا بحثاً عن اللؤلؤ والمحار والأسماك هذه المرة، لكن بحثاً عن حفلة غنائية هنا أو هناك، ومطرب يجلس أمامه مباشرة، ليتقاسما الهمّ والسرور معاً.

ولأنه من البقية الباقية التي تجيد الوقوف على المسرح، ولأنها «عكاظ»، تلك السوق التي ارتبطت بأجمل ما قيل في الشعر العربي، كانت البداية، إذ وقف فنان العرب، نابغة سوق عكاظ المعاصر، ليعيد للمسرح الغنائي في السعودية بريقه وألقه من جديد، ويبعث في بساتين الطائف الشدوَ مصحوباً بآهات العاشقين، وممزوجاً بذكريات الزمن الجميل.


ويبدو أن حفلة سوق عكاظ لم تكن سوى إشارة البدء، لينطلق «فنان العرب» منها إلى مسارح أخرى، لم تكن أقلّ عطشاً من مسرح سوق عكاظ... ولكن هذه المرة إلى جدة، إذ أشعل «أبو نورة» فيها «وهج الشموس» المنطفئة، ووقف يشدو قريباً من أبحر، ليستذكر «المواعيد القديمة، وكل ذكرى.. حتى لو كانت أليمة»، متسائلاً، قبل أن يرمي عقاله تحيةً للحاضرين: «وين عمري اللي مضى بصفوه وشحوبه...»!

ولم يقف فنان العرب عند هذا الحد، ولم تقف الحفلات الغنائية كذلك، ولكن هذه المرة في الرياض، بعد توقف دام قرابة ثلاثة عقود، ليحيي أبو نورة، رفقة راشد الماجد، حفلة غنائية تم الإعداد لها بشكل مميز، لتخرج في ثوب يليق بالمكان، ويبدد لوعة الغياب الطويل، شدا فيها «أبو عبدالرحمن» كما لم يشدُ من قبل، ونثر ما حوته حنجرته الذهبية على مدى السنين من ألق وصفاء وخبرة متراكمة بين أيدي الحاضرين، لتغفو الرياض آنذاك في «عتيم صبح»، قبل أن يأخذها أبو نورة بيدها ويمضيا!

عشرات الحفلات أحياها فنان العرب في عام واحد، ربما هو حضور بعدد سنوات الغياب، ولكن الحضور هذه المرة بات رمزياً أكثر من كونه فعلياً، فوقوف «أبو نورة» على خشبة المسرح، في السعودية مجدداً، هو وقوف للغناء، ونهوض للفن السعودي العريق، الذي كان يحتاج قامةً بحجم محمد عبده ليطلق له شارة البدء من جديد، ويحيي مسارحه التي أوشكت على النسيان.