-A +A
عبده خال
قيل إن الثورة الإيرانية قامت على شريط كاسيت.. وقيل إنها لم تأت بسبب فساد أو انهيارات اقتصادية.. وقيل إنها لم تستخدم دبابات أو مجنزرات..

والذي لم يقل عنها إنها عجينة من الثوار اشتركوا في تركيب عصارتها: اليساريون والليبراليون والقوميون (جميع شتات العلمانية) والذي قطف تلك الثورة هم الإسلاميون بقيادة الخميني المنفي، حاملا معه فكرة تصدير الثورة، ومنذ ذلك العهد تحركت إيران للتمدد، فكانت العراق هي السد المنيع في معركة استمرت 8 سنوات (وكان يقال عن العراق إنها البوابة الشرقية لحماية المنطقة من مد تصدير ثورة الخميني)، وبسبب فكرة تصدير الثورة لم تهدأ المنطقة بتاتا من الحروب والمؤامرات والدسائس ونهوض فكرة المذهبية وتغلغلها بين أطياف وشرائح سكان المنطقة، حتى تحولت المصالح السياسية إلى حرب بين طائفتين إسلاميتين، وكل منها ترى أن الأخرى تريد تقويضها ولا بد من دحرها والقضاء المبرم عليها..


وهكذا كان العداء منشؤه ديني، ويمكن القول إن الثورات اللاحقة في العالم العربي كانت من نفس العجينة إلا أن الإسلاميين صعدوا موجة الثورات وتسببوا في تهشيم الدول والأنظمة..

وما هو حادث الآن في إيران هل هو إعادة تشكيل الثورة بمعزل عن التيار الديني؟

فالإضرابات والمظاهرات التي شلت إيران في 1978 هي الآن في طور التشكل لتقويض حكم خنق البلاد والعباد، وبمقاربة بسيطة عن بداية انقلاب الخميني (هكذا سميت بالرغم أن المشاركين فيها جميع أطياف المجتمع الإيراني) تلك البداية لم يكن هناك قائد يشار إليه بالبنان بل تمت بواسطة شريط الكاسيت الذي كان متداولا بين شرائح الشعب محدثا تأليف قلوب الثوار جميعا، وما يحدث الآن يتشابه في ذلك؛ إذ ليس هناك قائد يمكن الإشارة إليه في وسط المظاهرات بل تمت عن طريق استخدام تطبيق (تليجرام) عن طريق صحفي منفي خارج البلاد يدعى (روهالا زام)، فهل يعود هذا المنفي كما عاد الخميني محمولا على الأعناق؟

وفي أي نظام لا يمكن إرغام الناس على تذوق طعام واحد من غير ترك الحريات الشخصية تمارس حياتها وفق المتاح والشرعي، ومهما كان النظام مدعيا الصلاح فإن المعارضين هم من يعرفون فساده، فإما تدارك ذلك الاعتوار وإما السقوط الحتمي..

لهذا فالمظاهرات والشغب الحادث في إيران هو (سدة النفس) مما تناولوه من تغذية لطعام واحد من غير إحداث طفرة في الحريات بل جاء المتشددون ليضيفوا على الفساد: تكميم الأفواه وحبس الحريات وخلق سجن كبير الكل يتضور جوعا، سواء كان جوعا ماديا أو فكريا.

وإذا واصل النظام الإيراني استبداده الفكري فالثورات لن تقمع، ومنذ ظهورها كأكبر مظاهرة رافضة للحكم عام 2009 فإنها مثل الهزات الأرضية تبدأ بدرجات دنيا وخلال فترة وجيزة تتحول إلى زلزال مدمر.

Abdookhal2@yahoo.com