-A +A
عبدالله صادق دحلان
من الفرص العظيمة التي حظي بها القطاع الخاص مؤخرا موافقة المقام السامي على تحفيز هذا القطاع بمبلغ 72 مليار ريال، وذلك بناء على توصية سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الأمير محمد بن سلمان لإقامة مشاريع تنموية في المملكة في مختلف المجالات، ومن المؤكد أن ذلك سيكون له الأثر الكبير والإيجابي لنمو الناتج المحلي، وستتأثر إيجابيا على وجه الخصوص شركات المقاولات وشركات الخدمات والمصانع ذات العلاقة، وستؤثر إيجابا على نسب تشغيل العمالة السعودية التي تعمل على دعم حركة السوق المحلي الذي تعتمد عليه الشريحة الكبرى من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

وفي الحقيقة فإن الجميع ينتظر ويتطلع إلى بدء التنفيذ أو الإعلان عن برنامج ومواعيد التنفيذ، ومن المؤكد أن طرح هذه المشاريع سيختلف كليا عن طريق وأسلوب طرح المشاريع في الماضي، ولن تكون هناك أوامر ترسيات مباشرة أو شبهات فساد في طرح وترسية المشاريع، وسوف تختفي حالات الإحباط لدى المقاولين الصغار والمتوسطين، ولن تسيطر الشركات الكبيرة على معظم المشاريع، وسوف يختفي الوسطاء بعد حملة الحرب على الفساد، وأجزم بأنه سيكون تسعير المشاريع تسعيرا عادلا يحقق أرباحا عادلة وغير مبالغ فيها، وسوف تخفض الدولة نسبة عالية من تكلفة المشاريع ذات التسعير المبالغ فيها كما كان معمولا به في الماضي.


لقد كان الإعلان عن رقم المشاريع المزمع طرحها في ميزانية هذا العام أكبر حافز ومشجع للقطاع الخاص بجميع فئاته وأنواعه، وكذلك الإعلان عن مبادرة اللجنة التنفيذية لتحسين أداء الأعمال في القطاع الخاص بوزارة التجارة والاستثمار بتدشين «مركز مراس» لإنجاز المعاملات الحكومية، وهو مركز حكومي موحّد ومنصة إلكترونية يهدف إلى تسهيل ممارسة الأنشطة التجارية والاستثمارية في المملكة، وتسهيل معاملات المستثمرين ورواد الأعمال وذلك بتقديم الخدمات الحكومية وإنهاء إجراءات أعمالهم في مكان واحد مما يوفر عناء التنقل بين القطاعات الحكومية المختلفة، ويهدف كذلك إلى رفع مساهمة القطاع الخاص وزيادة حجم الاقتصاد لتحقيق رؤية المملكة 2030، وهو كذلك حافز كبير للمستثمرين يعمل على تحسين بيئة الأعمال وجذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية في مشاريع استثمارية كبيرة في المملكة.

ومع تقديري وشكري لهدف المركز والقائمين عليه إلا أن السؤال المطروح هو ما هي المعوقات التي تواجه الاستثمار في مختلف المجالات، ورغم أن معظم المعوقات معروفة ومحصورة وتم البحث فيها، إلا أنها وللأسف لم تعالج رغم جميع الجهود التي بذلت لجمعها وحصرها ومحاولة تجاوزها، ولن يتسع المجال لعرضها، إلا أنني أطرح اليوم بعض المعوقات لبعض المشاريع الاستثمارية والتي تتطلع لاستقطاب مستثمرين أجانب للمشاركة أو للاستثمار المباشر فيها، وعلى سبيل المثال الاستثمار في القطاع الصحي من مستشفيات ومراكز صحية أو مستوصفات، إن الشروط التعجيزية حسب الشروط المعلنة في مواقع التراخيص اللازمة لها، هي مجموعة من الشروط في ظاهرها يمكن تحقيقها ولكن على أرض الواقع يصعب بل يستحيل أحيانا تحقيقها لارتباطها بموافقات الأمانات ذات الشروط التعجيزية ومتطلبات الجهات الرسمية الأخرى.

والأمر كذلك في الاستثمار في المجال التعليمي سواء تراخيص إنشاء المدارس بأنواعها، وأهم معوق فيها هو شروط الأمانات التعجيزية، أو تراخيص المعاهد الفنية أو المهنية أو اللغات أو العلوم الإدارية تواجه متطلبات بلدية تعجيزية، والأمر أصعب ومستحيل لتراخيص إنشاء الجامعات، والتي لا أعلم كيف ستتغلب عليها الجامعات الأجنبية التي سيصرح لها العمل في المملكة بدون استثناءات، وعلى وجه الخصوص التراخيص البلدية ومتطلبات الحصول على التراخيص الأخرى.

لقد كتبت اللجان التعليمية في الغرف التجارية واللجنة الوطنية في مجلس الغرف السعودية، وأوضحت المعاناة التي تواجهها الاستثمارات القديمة والحديثة والمستقبلية لإنشاء المدارس، فندرة الأراضي وارتفاع أسعارها والشروط التعجيزية من البلديات سوف تجمد الاستثمارات في هذا المجال ومثله في المجال الصحي.

وإذا جاز لي الاقتراح فإنني أقترح معالجة أهم معوق للاستثمار في التعليم والصحة وهو التراخيص البلدية وتحرير التراخيص من الشروط التعجيزية، وهو أمر لا يستطيع مركز «مراس» معالجته، لأنه يتعلق بأنظمة موضوعة، وقد يعتقد البعض أن هذا اتهام نظري، وإنما في الحقيقة هو ممارسة على أرض الواقع، حيث تصل فترة الحصول على التراخيص سنوات وأحيانا يتراجع المستثمرون عن قراراتهم الاستثمارية نتيجة هذه المعوقات، ورغم الدعاية الإعلامية المتميزة لاستقطاب الاستثمارات إلا أنها تحتاج إلى متابعة جيدة لمسار وخطوات وإجراءات الحصول على التراخيص اللازمة لبداية هذه المشاريع.

وكنت قد طالبت ولا زلت أطالب بضرورة قيام الجامعات، كمراكز علمية محايدة، بأبحاث لدراسة معوقات الاستثمار في جميع المجالات في المملكة، واجزم بأنها ستعطينا الحقيقة بطريقة أفضل من الاستشاريين الأجانب، وقد تكون أبحاثا مجانية أوفر من عقود الشركات الأجنبية.

* كاتب اقتصادي سعودي