-A +A
محمد مفتي
تأسست إسرائيل عام 1948 على حساب أراضي الدولة الفلسطينية، وذلك بعد رفض العرب لخطة التقسيم المقترحة والتي أعلن اليهود قبولها ولكن على مضض، ولقد استغلت إسرائيل وقتئذٍ رفض العرب لخطة التقسيم لتقوم بالتهام نصيبهم الذي قررته لهم الأمم المتحدة، ليصبح هذا الرفض بمثابة جائزة صريحة للكيان الإسرائيلي الناشئ وقتذاك، وبعد الرفض والتعنت والتعالي العربي لقرار التقسيم برز على الساحة السؤال المهم، ألا وهو ما البديل لهذا الرفض العربي؟ كان البديل الذي طرحه العرب يتلخص في ضرورة استعادة الأرض كاملة دون قيد أو شرط، وبقوة السلاح، مع رفض كلي وجزئي لأي نوع من التصالح أو التفاوض مع إسرائيل.

بدا الذهول والاستغراب الغربي وقتئذٍ من رد فعل العرب، الذين لم يقبلوا بخطة التقسيم - على الأقل - كنواة لاستعادة الأراضي المحتلة إن كانوا صادقين في رغبتهم في تحرير الأراضي المحتلة؟ وقد تساءل زعماء العالم العربي وقتذاك عن كيفية حصول العرب على السلاح والذخائر اللازمة لاستعادة تلك الأراضي؟ لقد كان المنطق العربي وقتها خالياً من كافة المسوغات والمبررات المنطقية التي تخول لهم استعادة الأراضي بالقوة، فالعرب لم يكن لديهم المصانع الحربية القادرة على إنتاج الأسلحة الحربية كالطائرات والدبابات وغيرها من أسلحة متطورة بمنطق ذلك العصر.


غير أن بعض الزعماء العرب فطنوا بحكمتهم إلى أن مفتاح حل قضية الصراع العربي الإسرائيلي كانت تكمن في المفاوضات الدبلوماسية، وذلك قبل حدوث صراعات مباشرة بين الطرفين، فعلى المستوى التاريخي - وقبل حرب 48 - كانت القضية الفلسطينية محور اهتمام الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، وهو ما اتضح في مذكرات الكولونيل الأمريكي إيدي الوزير الأمريكي المفوض في المملكة وقتذاك، والذي تحدث عن اللقاء التاريخي الأول بين الملك عبدالعزيز والرئيس الأمريكي روزفلت - وهو اللقاء الشهير الذي تناولته الكثير من الكتب والوثائق التاريخية - وقد كانت القضية الفلسطينية محوره، وطبقاً لإيدي فإن الملك عبدالعزيز كان صارماً في سعيه لمحاولة إقناع روزفلت بأننا كعرب لسنا مسؤولين عن جرائم النازي ضد اليهود، فلماذا ندفع ثمنها من أرضنا ومستقبلنا؟ وهو ما دفع روزفلت وقتها إلى أن يقطع وعداً بعدم اتخاذ الإدارة الأمريكية لأي قرار متعلق بالصراع العربي الإسرائيلي دون التشاور مع الزعماء العرب، ومنهم المملكة بطبيعة الحال، غير أن الموت اختطف الرئيس الأمريكي قبل أن يفي بوعده، وجاء بعده ترومان الذي أبدى انحيازاً واضحا تجاه اليهود، وتم وقتها طرح خطة التقسيم التي رفضها العرب، وتأسست دولة إسرائيل حسب ما ذكرنا في بداية المقالة على أنقاض الرفض العربي لقرار الأمم المتحدة.

يعد الرئيس المصري الراحل السادات من الزعماء العرب القلائل الذين أدركوا أن الحل يكمن في التفاوض، ورغم رفض بقية الزعماء العرب وقتها لعملية التفاوض إلا أنه بمرور الوقت بدأ الجميع يدرك عدم واقعية فكرة تحرير الأراضي بالقوة العسكرية، ولذلك قبلت غالبية الدول العربية التي لها علاقة بإسرائيل بمبدأ السلام، بما فيهم الفلسطينيون الذين أدركوا بعد اتفاقية كامب ديفيد ضرورة التصالح مع الإسرائيليين، وعلى رأسهم منظمة التحرير الفلسطينة، وقد أعلن ياسر عرفات نفسه قبوله بالاعتراف بإسرائيل كشرط مسبق للتفاوض، كما وافقت الأردن على السلام مع إسرائيل، تلتهم العديد من الدول الأخرى تباعاً.

مؤخراً.. لا زالت تداعيات إعلان إدارة الرئيس الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية للقدس تتوالى، وازداد الطين بلة لاستخدامها الفيتو ضد رغبة الدول الرافضة لقرارها هذا، غير أن الأمر الجدير بالاهتمام هنا هو وجود شبه إجماع دولي على رفض القرار الأمريكي، وهذا معناه أن القرار الأمريكي لن يغير من الأمر شيئاً، فالقدس شاءت الإدارة الأمريكية أو رفضت عربية وستظل عربية، غير أن ما يهمنا الآن هو أن الكثير من الدول ألقت باللائمة على دول الخليج بسبب قرار ترامب، ولكن الذي يتغافلون عنه هو أن مختلف الإدارات الأمريكية المتعاقبة على اختلاف توجهاتها حرصت على دعم إسرائيل سياسياً وعسكرياً، والأدهى أنهم يتجاهلون أن السبب الرئيسي والجوهري لضياع الأراضي العربية على هذا النحو، هو التعنت العربي الذي رفض منذ البداية مبدأ التفاوض.

من المؤكد أن القرار الأمريكي وضع العرب في وضع لا يحسدون عليه، وهو الأمر الذي كان يمكن تلافيه من البداية لو أن الزعماء العرب سلكوا طريق المفاوضات، وقد عادت الكرة الآن لملعب العرب ليفكروا في ما يمتلكونه من أوراق من أجل الضغط على الإدارة الأمريكية لتبدي بعض العدالة تجاه ذلك الصراع المزمن، وهى بالتأكيد أوراق دبلوماسية وسياسية، علها تعيد بعض الحق لأصحابه، وبعض التوازن لكفي الميزان غير المتساويين «على الأقل في الوقت الراهن».