-A +A
عبدالله صادق دحلان
تعتبر ميزانية هذا العام من أهم الميزانيات للمملكة العربية السعودية منذ إنشائها، ليس من حيث الحجم فقط وإنما من حيث تركيب العناصر الأساسية لتكوين الميزانية للواردات والمصروفات، فمنذ إنشاء الدولة السعودية والنفط يمثل أكثر من 90% من إيرادات الميزانية، وظلت خطط المملكة تحلم بالتخطيط على ورق لتغيير عناصر إيرادات الميزانية من الاعتماد الأساسي والكلي على إيرادات النفط إلى تنويع مصادر الدخل عن طريق مصادر عديدة، منها إيراد المنتجات والصادرات الصناعية، والتوجه نحو دعم الاستكشاف للثروة المعدنية وتحويلها إلى منتجات صناعية نهائية أو شبه نهائية، ورغم جميع الجهود المبذولة سابقا إلا أنها لم تحقق الهدف المأمول آنذاك، إلا أن التوجه الجديد للرؤية المستقبلية (2030) قد بدأت نتائجه تظهر، حيث فعّلت الخطط بقرارات تنفيذية عاجلة ويتم متابعة خطط التنفيذ بشكل دوري، كما أن تطبيق بعض السياسات الجديدة كتسعير الخدمات الأساسية حسب التكلفة وهو من بديهيات التسعير الاقتصادي للخدمات الأساسية كان له أثر إيجابي في زيادة الإيرادات غير النفطية، كما أن السياسة الضريبية الجديدة، ومنها ضريبة القيمة المضافة 5% على السلع والخدمات والتي تعتبر الأقل بالمقارنة بالضرائب المماثلة في مختلف دول العالم، وهي حق للدول على شعوبها للمساهمة في جزء من تكلفة إدارة وتشغيل وتطوير الدول، وسيكون انعكاس هذه الضريبة إيجابيا في نتائج إيرادات ميزانية 2018، بالإضافة إلى توجه الفكر الاقتصادي إلى خصخصة بعض الخدمات المقدمة من الدولة بهدف رفع كفاءتها وزيادة إنتاجيتها وتخفيض الأعباء المالية على ميزانية الدولة، ومن المؤكد سيساهم هذا التوجه في تخفيض الإنفاق وزيادة الدخل وتطوير الخدمة.

إن ما تحقق في السنتين الماضيتين من إصلاحات في السياسات الاقتصادية والمالية دفع المملكة إلى الإعلان عن ميزانيتها لعام 2018، وهي الأكبر بمقدار (978 بليون ريال) وبتوجه استثماري تنموي ذي عوائد استثمارية مجزية وتطور تنموي كبير، وهو أكبر إنفاق في تاريخ ميزانيات المملكة، ويتضمن الإنفاق العام حسب بنود الموازنة العامة بالإضافة إلى إنفاق صندوق الاستثمارات العامة وصناديق التنمية الأخرى.


ومن أهم عناصر الميزانية المبادرات المتميزة والفريدة هذا العام، ومنها مبادرة دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وذلك بدفع سبعة مليارات ريال إعادة لمبالغ الرسوم الحكومية المدفوعة مسبقا من المنشآت الصغيرة التي أنشئت عام 2016، وهو توجه حكيم لدعم أكثر من 80% من مؤسسات القطاع الأهلي. إن المؤسسات الصغيرة هي أساس أي اقتصاد نامٍ أو صناعي، وهو قرار اعتبره من ضمن أهم القرارات لدعم اقتصاد المملكة، بالإضافة إلى جميع القرارات الداعمة لتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

ومن أهم القرارات الإستراتيجية لمستقبل التنمية الاقتصادية في المملكة ومستقبل التنمية بصفة عامة هو قرار دعم ومضاعفة رؤوس أموال بعض الصناديق التنموية في المملكة، وعلى رأسها صندوق التنمية الصناعي وصندوق التنمية العقاري وصندوق الاستثمارات العامة.

وبكل فخر واعتزاز أهنئ القيادة السعودية التي استطاعت أن تغيّر تركيبة الميزانية من 90% إيرادات نفطية إلى 50% فقط، والاعتماد على الإيرادات الأخرى بنسبة 50%، وهو نجاح كبير للخطط، متمنيا أن نستعجل الخطط لتقليص نسبة إيرادات النفط والتحول إلى دعم القدرات الإنتاجية من مصادر الدخل الأخرى، وعندها سنشعر بأمان واستقرار اقتصادي لا يعتمد على سياسة المد والجزر لأسعار البترول نتيجة تحكم الدول الصناعية بسوق الطلب أو نتيجة الكوارث والأزمات العالمية.

وأخيرا أتساءل كيف تهتم الدولة بالحفاظ على المؤسسات الصغيرة ودعمها وخفض تكاليف تشغيلها عن طريق إعادة سبعة مليارات ريال لرسوم دفعتها المؤسسات الصغيرة سابقا وشكلت عليها عبئا ماليا، وفي المقابل تستمر الغرف التجارية الصناعية بفرض رسوم اشتراكات وتصديق على المؤسسات الصغيرة، وكان الأولى من الغرف التجارية الصناعية إما إعفاء المؤسسات الصغيرة حديثة التأسيس من رسوم الاشتراك والتصديق لمدة السنوات الثلاث الأولى من إنشائها أو منحها خصما مقداره 50% دعما لها.

وكان على الغرف التجارية الصناعية أن تقتدي بقرار الدولة وتعيد رسوم الاشتراك والتصاديق المدفوعة مسبقا من قبل المؤسسات الصغيرة التي أنشئت منذ عام 2016، وهذا أقل ما يمكن تقديمه لهذه المؤسسات من الغرف التجارية التي تعتبر الحاضنة والممثلة لهم، وهي مناسبة لأعيد مطالبتي بالشفافية لفتح ملف (شركة ثقة) التي تستقطع نسبة 25% من إيرادات الغرف لحسابها وتدفع 15% لمجلس الغرف والذي نؤيد دعمه مباشرة لاستقطاع مباشر من إيرادات الغرف التجارية الصناعية وهو الأحق والأولى بالدعم، ولكن الـ10% الأخرى ينبغي أن تعاد للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتغطي تكلفة اشتراكهم وتصاديقهم المقترحة، متمنيا أن لا تتم الموافقة على الاقتراح لتحويل نشاط وتصاديق الغرف إلى شركة ثقة، وعندها ستصبح الغرف بلا دور وتبقى ميزانياتها تحت رحمة شركة ثقة، وبهذا تخالف شركة ثقة القرار السامي بإنشاء الغرف وتحديد أهدافها ونشاطها.

* كاتب اقتصادي سعودي