-A +A
عبد الرزاق بن عبد العزيز المرجان
تثبت الأحداث والحقائق يوما بعد يوم حاجة المملكة الماسة إلى إدارة الحرب الناعمة، التي لا تقل أهمية عن ملف الدفاع والأمن وكذلك الأمن السيبراني. فالحرب الناعمة عندما تدار من دول وجهات محترفة وتحدد أهدافها بكل وضوح، وعندما يتم دمجها مع علوم أخرى كعلم الإنسان وعلم الثورات، تصبح قوة خطيرة قادرة على تدمير الدول، وقلب أنظمة الحكم وزعزعة الأمن في الدول.

وتزداد قوتها عند استخدام أدوات ذات تأثير كبير كالأدوات الإلكترونية (وسائل التواصل الاجتماعي)، والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية كمنظمة الأمم المتحدة والأرقام غير الصحيحة كمؤشر السلم الدولي. وأصبحت هذه القوى تتلاعب وتوجه الرأي العام المحلي والدولي وتؤثر في صناعة القرار المحلي والدولي بناءً على أجندة خفية.


واستخدمت هذه العلوم مجتمعة في مناسبات عدة، وكانت النتائج قلب الحكم في مصر، وزعزعة أمن البحرين. ولم تنجح هذه المحاولات في الفتك بالمملكة وتقسيمها وقلب الحكم وزعزعة الأمن وضرب اللحمة الوطنية وتشويه سمعتها الدولية، ولكن نجحت في فترة من الفترات بنشر ثقافة التشاؤم وخلق عدم ثقة في بعض المؤسسات الحكومية وزرع خلايا إرهابية.

وتم رصد مشاركة منظمات دولية تدعي الحيادية تساهم في تشويه سمعة المملكة محلياً ودولياً، وتعدت ذلك لتشوه الإسلام، وتساهم في نشر ثقافة العنف والتطرف كالإسلام فوبيا.

تأليب الرأي العام المحلي والدولي وصناعة القرار:

منتجات القوة الناعمة هي أداة للتأثير على صناعة القرار الفردي والمؤسساتي والدولي، وتأليب الرأي العام الدولي على المملكة، وشن حرب على الإسلام وربطه بالإرهاب وأداة للابتزاز وتنفيذ الأجندة الخارجية، وتسويق الكراهية على الإسلام والمسلمين «إسلام فوبيا»، ومحاولة ضرب قلب العالم الإسلامي وهو المملكة.

الأمم المتحدة ودعمها للإرهاب:

في العام الماضي أدرجت الأمم المتحدة التحالف العربي، الذي تقوده المملكة في اليمن، في اللائحة السوداء للدول والجماعات المسلحة التي تنتهك حقوق الإنسان في النزاعات والحروب. وذكر تقريرهم المضلل أن التحالف مسؤول عن 60% من وفيات وإصابات الأطفال العام الماضي، وهذا عار من الصحة، ولكن تم الحصول على هذه المعلومات من منتجات القوة الناعمة لأعداء المملكة في المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي المشبوهة، ومن الحوثيين، ومن بعض المنظمات غير الحكومية المشبوهة.

وعند بدء المملكة عملية تطهير العوامية من الخلايا الإرهابية عام 2017، ذكر موقع بي بي سي باللغة العربية أن منظمة الأمم المتحدة طالبت المملكة بوقف عمليات الهدم والتجريف لحي المسورة بناءً على مطالبة المشبوهين والخارجين عن القانون عبر الإنترنت، والحي كان وكراً للإرهابيين، وهذا دليل آخر على مساندة هذه المنظمات والمؤسسات للأعمال الإرهابية الصفوية ومحاولة كف يد المملكة عن التصدي لها.

مؤشر السلم الدولي Global Peace Index:

ومن منتجات القوة الناعمة الدولية هو مؤشر السلم الدولي المشبوه Global Peace Index، وتم تأسيسه عن طريق الريادي في الاستثمار والمختص في تقنية المعلومات «ستيف كليليا» Steve Killelea عام 2007. حيث وضع المملكة عام 2017 في ذيل الترتيب لمؤشر السلم الدولي وهو 133 من 163.

والفكرة هي تأسيس مؤشر للسلم الدولي يوفر مقياساً كمياً سنوياً لسلم لأكثر من 150 دولة. ويضيف ستيف أن مؤشر السلم الدولي عبارة عن مجموعة من المبادرات المترابطة التي تركز على السلم الدولي التي تحظى بدعم مجموعة واسعة من محبي الخير الداعمين ورجال الأعمال والسياسيين ورجال الدين والمثقفين.

عدم مصداقية المؤشر:

هنا نتوقف قليلاً عند نقطة مهمة وحساسة، وهي عدم وجود شفافية في هذا المؤشر لعدم معرفتنا بالآتي:

1- من هم الداعمون ورجال الأعمال؟

2- ومن هم رجال الدين وهل يوجد مسلمون ومن هم؟

3- ومن هم المثقفون؟

4- ومن أين مصادر المعلومات؟

5- وهل يوجد سعوديون مشاركون؟ ومن هم؟

نتائج مشبوهة:

وأشار التقرير المشبوه إلى أن احتلال المملكة لهذا المركز المتأخر بسبب قيادتها للتحالف العربي على الإرهاب وإعادة الأمل في اليمن، واتهام المملكة بتقديم دعم عسكري للمتمردين الذين يقاتلون بشار الأسد ومساهمتها في الصراعات الخارجية. ومن الجانب الداخلي ذكر التقرير المضلل وجود تهديد إرهابي داخل المملكة ما يساهم في ارتفاع مؤشر الإرهاب، وتدهور الاستقرار السياسي.

جميع ما ذكر عارٍ من الصحة ومضلل، ويستهدف سمعة المملكة دولياً، ويساهم في زعزعة الأمن والسلم الدوليين.

داخلياً أحبطت المملكة 8 عمليات، وأفشلت 12 عملية إرهابية عام 2016، وضحّت المملكة بدماء أبنائها لحماية أمنها المجتمعي وأمن الحجاج والمعتمرين، وجيرانها طلبوا المساعدة بعد أن تفشى الإرهاب الصفوي في المنطقة وتحت غطاء قانوني وأممي دولي.

ورجوعا لتأسيس المؤشر ففي عام 2007 أسس الريادي في مجال التقنية ستيف معهد الاقتصاد والسلم Institute for Economics and Peace (IEP) وهو مركز أبحاث دولي يهدف لبناء فهم أكبر للترابط بين الأعمال والاقتصاد والسلم مع التركيز على الفوائد الاقتصادية من السلم.

وهذا بديهي أن الأمن أهم عامل للنمو الاقتصادي، ولكن ألا يمكن استخدام المؤشر لابتزاز الدول اقتصادياً وسياسياً وأمنياً؟

تأييد المؤشر للإرهاب الصفوي:

وحصلت الدول التي تحارب الإرهاب الصفوي في منطقة الشرق الأوسط على مراكز متأخرة في التصنيف الخاص بالمنطقة المشتمل على 20 دولة، كالمملكة وصلت إلى المركز 11 والبحرين المركز العاشر من 20. أما قطر الدولة الحاضنة لزعماء الجماعات الإرهابية كالإخوان والقاعدة والداعمة لهم فحصلت على مراكز متقدمة في هذا التصنيف المشبوه، لماذا؟ والملفت للانتباه عند الرجوع لتقرير العام الماضي المشبوه نجد تجاهله للعمليات الإرهابية المرتكبة من قبل خلية العوامية/‏القطيف في المملكة. وتركيزه فقط على عمليات داعش، مع أن عمليات خلية العوامية/‏القطيف هي الأخطر. هل يركز هذا التقرير المشبوه على ربط مذهب معين بالإرهاب؟

تشويه الإسلام:

عرض حساب مؤشر السلم الدولي في «تويتر» نتيجة المملكة المتأخرة وأسبابها ووضع صورة الحرم المكي كخلفية لهذه المعلومات المنشورة في «تويتر»، وهذا دليل على محاولة ربط العنف بالإسلام، ومحاولة تحويل نقاط القوة إلى ضعف بزرع الكراهية للإسلام والمسلمين وهو ما يعرف «إسلام فوبيا»، إليس ذلك دليلا على تجنيها على الإسلام والمسلمين؟

الاعتماد على المصادر الإلكترونية المجهولة والمشبوهة:

وفي اتهام صريح بعدم وجود استقرار سياسي في المملكة، السؤال من أين حصلوا على هذه المعلومات المفبركة؟ مصدر هذه المعلومات المضللة هو المواقع الإلكترونية المشبوهة، والحسابات التويترية المجهولة، التي تدار من خارج المملكة بأسماء سعودية وهمية أو الناقمين. وتم رصد كثير منها تحرض على المظاهرات وتلفق الأكاذيب بأسماء سعودية وهمية.

من يدعم هذا المؤشر الخيري؟ يقول ستيف إن المعهد يعتبر أحد أهم 50 هدية خيرية الأكثر تأثيراً في تاريخ أستراليا. السؤال من يدعم هذه الهدية الخيرية التي لها أربعة فروع على مستوى العالم؟ من هو القائد الذي سوف يدور ملف الحرب الناعمة في المملكة؟

*عضو الأكاديمية الأمريكية للطب الشرعي - الأدلة الرقمية