-A +A
محمد الساعد
منذ ظهور النفط في صحارى الجزيرة العربية قبل 70 سنة تقريبا، ونظرة كثير من عرب الشمال وعرب أفريقيا هي هي لم تتغير، وسؤالهم «العبيط» لماذا ظهر النفط في بلاد البدو ولم يخرج في بلاد الأنهر والمياه، لماذا ولد بين أيدي الأعراب أصحاب الخيام والجمال ولم يولد بين أيدي الفينيقيين الشوام والكنعانيين الفلسطينيين والأقباط المصريين والبربر الجزائريين والمغاربة، لا يكاد يغادر أدبياتهم أبدا.

أما لماذا يتساءلون ويحسدوننا هكذا بدون مبرر، فلأنهم يرون أنفسهم أحق بالبترول منا، بل إن معظم مثقفيهم وعوامهم يطالبون علنا وبكل وقاحة المشاركة في ثروات الخليج، ولو قدروا لرمونا في البحر بدلا من اليهود، ولاستولوا عليها.


الغريب أنهم لا يريدون العيش معنا في أجوائنا القاسية وصحرائنا القاحلة، يريدون أموال النفط والغاز وهم مستلقون يأكلون الفواكه في مزارعهم وجبالهم الباردة بجوار أنهرهم وبحيراتهم.

دعونا نذكر إخوتنا عرب الشمال وهم أقرب الحاسدين لنا، ماذا يمتلكون من ثروات لنرى من هو الأغنى نحن أم هم، ولنعرف من فرط في ثرواته، ومن أعاد تدويرها في بلاده حتى حولها من صحراء جرداء إلى مدن حية مليئة بالتمدن والتطور.

قبل أن نبدأ علينا أن نعلم أن سعر لتر المياه أغلى بعشرات المرات من سعر لتر النفط، وتكلفة زراعة الأرض الصحراوية في السعودية أعلى بمئات المرات من زراعة الأراضي الخصبة في ربوع الشام وفلسطين والعراق، ولذلك هم الأغنى بالثروات اليوم وسابقا، لكن المسألة ليست في الغنى بل في كيف تدير ما تمتلكه.

وها هي إسرائيل على حدود دولهم ولديها أقل من 10% من إمكاناتهم حولت المياه والأراضي الخصبة إلى ثروات مالية غير محدودة، بل إن تل أبيب الدولة الأولى في العالم في تطوير تقنيات الزراعة والمياه.

تعد العراق والشام من أغنى دول العالم بالمياه، لدرجة أن المراقبين والمحللين تنبأوا بأن الحروب القادمة في المنطقة ستكون حروب مياه، بين دول لا تمتلكها وأخرى تعوم فوقها، ومع ذلك تحولت معظم تلك المصادر المائية إلى مجرد مستنقعات ملوثة، فلا هم الذين استفادوا منها ولا هم الذين أبقوها كما كانت.

تجري في سورية، غير نهر الفرات العظيم، عدد كبير من البحيرات والينابيع والنواعير والأنهر الصغيرة، منها على سبيل المثال قويق وعفرين والنهر الكبير في محافظة اللاذقية، كما يوجد نهر آخر على الحدود السورية الأردنية يسمى اليرموك تتحكم فيه الدولتان، كذلك أنهر صغيرة مثل السن بردى الساجور، إضافة إلى بحيرة طبريا.

في لبنان، إضافة للينابيع والعيون، فقد حباها الله بعدد كبير من المصادر، منها النهر الكبير الجنوبي ونهر أسطوان وعرقا والبارد وأبو علي (نهر قاديشا) والجوز وإبراهيم والكلب وبيروت والدامور والأولي وسينيق والزهراني والقاسمية، وهي تضاف إلى الأنهر الشهيرة الليطاني والعاصي والحاصباني.

العراق ثرواته لا تعد ولا تحصى، فمع البترول والغاز، اللذين ينتجان بكميات كبيرة، يمتلك أراضي زراعية خصبة، ويجري بطول البلاد نهرا دجلة والفرات اللذان يصبان في الخليج العربي.

فلسطين تمتلك هي أيضا عددا كبيرا من مصادر المياه العذبة، أهمها نهر وادي القرن، الذي يمتاز بجريان الماء طول السنة والنعامين، والمقطع، الزرقاء، اسكندرونة، نهر الفالق، العوجا ويحتل المرتبة الثانية بعد نهر الأردن من حيث الاتساع وكمية المياه تقدر بمساحة حوض 1752 كم2، ومعدل تصريفه السنوي 220 مليون متر مكعب، نهر صفد ينبع من جبال صفد ويتجه إلى عكا، تلك كانت لمحة بسيطة لما تمتلكه شعوب الشام من ثروات مائية وأراض زراعية ندر وجودها في منطقة جغرافية ضيقة.

ولنعد بالذاكرة لما قبل 100 عام فقط، حين كان أجداد أجدادنا يعيشون في هذه الأراضي القاحلة على مدى 7 آلاف سنة بلا ماء ولا كلأ، غير رب رحوم وفتات الأرض، لم يتذكرنا حينها عرب الشمال أبدا ولم نسمع أن قوافلهم المليئة بالطعام والمياه والفواكه كانت تتجه صوب الجزيرة العربية ليل مساء لتساعد أهلها.

ولم يدون التاريخ أن آباءنا وأجدادنا عابوا أو استجدوا عرب الشمال أبدا، أو قالوا لهم إن أنهر العرب للعرب وحنطة العرب للعرب، بل بقوا عزيزي نفس يعيشون على ما تنتج أيديهم قليلا كان أو كثيرا.

ولمحة صغيرة في أرشيف الباحثين والمستشرقين لما كانت عليه الجزيرة العربية في تلك الحقبة كفيل بإعطائنا صورة عن تلك المعاناة التي لم يتعاطف معنا أحد فيها، حتى جاء اليوم الذي اكتشف فيه «البدو» النفط، فصنعوا المياه العذبة من البحار المالحة، واستصلحوا الأراضي البور، وأضحت الرياض وأبوظبي وجدة ودبي والدمام تضاهي أجمل مدن العالم.