-A +A
محمد مفتي
أختلف كثيراً مع البعض الذي يردد بأن القضية الإيرانية ظهرت مجدداً على السطح، فالحقيقة أنها ومنذ الثمانينات من القرن الماضي ومنذ وصول الخمينيين لسدة الحكم أصبحت بالنسبة لدول الخليج هاجساً مثل الزكام المزمن الذي لا خلاص منه، كما أختلف أيضاً مع أولئك الذين لا يفرقون بين الإيرانيين كشعب مغلوب على أمره، وحكومة طهران التي هي في واقعها أقرب إلى عصابات المافيا.

من المؤكد أننا عندما نكتب عن إيران فإن أقلامنا وانتقاداتنا لا توجه للمواطن الإيراني، بل توجه للثلة التي لا تحكم إيران فحسب بل وتحتلها أيضاً، وهى العصابة التي تتفنن في اختلاق الأكاذيب والافتئات على الدين، فالخميني على سبيل المثال كان يستشعر وجود قوى خارجة عن الطبيعة تقاتل معه، وكان يسعى لإقناع جنوده بوجود هذه القوى التي تدعمه ليؤكد لهم صواب أفكاره وأفعاله، وذلك بعد أن استل من كتب الفقه والسنة والتاريخ برهاناً زائفاً على ما يسمى بولاية الفقيه.


هناك الكثير من الوثائق والأدلة الدامغة التي توضح دون لبس حقيقة مشاعر حكومات طهران المتتالية تجاه العرب سنة وشيعة، ويحضرني في هذا السياق أحد الكتب التي تناولت الحرب العراقية الإيرانية، وهو كتاب «في قصور آيات الله»، لكاتبه نزار السامرائي، الذي قبض عليه وأصبح أسيراً في إيران لمدة 20 عاماً مع مجموعة من الأسرى العراقيين إبان تلك الحرب، وقد قص في كتابه طرق التفنن في تعذيب الأسرى العراقيين سنة وشيعة، ويحضرني في هذا السياق ما ذكره الكاتب عن تصريح لأحد الضباط الإيرانيين بأن شيعة العرب أسوأ بالنسبة لهم من السنيين في إيران.

يذكر الكاتب طرقاً من تفنن هؤلاء - ممن وصفوا أنفسهم بأنهم حجة الإسلام - في تعذيب الأسرى المسلمين، بطرق ووسائل يعجز عن استيعابها العقل البشري، فالسب والقذف واللعان هي مجرد أدوات استباقية للتعذيب الجسدي، والذي يبدأ بجلد الأسرى بأسلاك الكهرباء النحاسية بعد سلخها من المادة المطاطية التي تغلفها، ثم وضع جموع كبيرة من الأسرى في زنازين تحتمل بالكاد شخصين، كما ذكر الكاتب قصة الضابط – آمر المعسكر - والذي يسمى بحجة الإسلام، والذي كان يستمتع بتناول الطعام أثناء تعذيب الأسرى، ووصف كيفية تقديم الجنود الإيرانيين الطعام للأسرى مخلوطاً بالقطن والشاش الممزوج بدماء زملائهم، ومحتوياً على قطع من أحذيتهم!

ما يؤكد كلامنا حيال الفرق بين القادة الإيرانيين وجنودهم وعموم الشعب الإيراني، هو بعض القصص التي أوردها الكاتب أثناء نقله مع بعض الأسرى من طهران إلى مدينة مشهد بالقطار؛ حيث ذكر أنهم كانوا محاطين بعدد كبير جداً من الجنود الإيرانيين الذين يتعمدون الإساءة إليهم، وكيف كان الركاب الإيرانيون يعنفون الجنود على طريقة تعاملهم مع الأسرى، إلى درجة أن هؤلاء الركاب كانوا يصرون على تقديم الطعام والفاكهة لهم في تحد صريح للتعليمات الصارمة التي كان يتلقاها الجنود من حرمان الأسرى من كافة مباهج الحياة، ويعتقد الكاتب - ونحن نؤيده في ذلك - أن هذا الرفض والتحدي الصارم لسلوكيات الجنود واستهجانها هو نوع من الرفض المكتوم والغضب المكبوت تجاه الخميني ونظام حكمه.

يردد بعض الكتاب أخيراً بأن كلاً من لبنان واليمن مخطوفة من الميليشيات المؤيدة لإيران، لكني أعتقد أن إيران ذاتها مخطوفة، وخاطفوها هم حكامها من الملالي والخمينيين الجدد، ومن المؤكد أن اليمنيين أو اللبنانيين سيكونون مخطئين إن صدقوا نعومة اللسان الإيراني، فإيران تعتبرهم مجرد أدوات أو وسائل تحقق بها أجندتها ومخططاتها في الاستحواذ السياسي على المنطقة، وهذا الاستحواذ لن يتحقق إلا بإضعاف الحلقة الأقوى في منطقة الشرق الأوسط وهي المملكة، والتي تعد بمثابة عماد البيت الخليجي وأقوى دعائمه وأشد أركانه، ولأن المملكة هدف بعيد المنال يتعذر الوصول إليه بشكل مباشر لذلك تلتف إيران حول حلفاء المملكة لتنال منهم، معتقدة أن سيطرتها على هؤلاء الحلفاء سيقلل من مساحة النفوذ السعودي وسيضعف أطرافه.

لا تنساق المملكة بسهولة خلف الصراعات ولا تنزلق ببساطة في متاهات الحروب، كما أنها لا تقبل الضيم ولا ترضى بالظلم لها ولا لحلفائها، فميزان الحكم في المملكة دقيق وحكيم، ولن تتمكن إيران من استفزاز المملكة ولا من جرها لمستنقع النزاع المتبادل، كما أنها لن تدفعها للانخراط في حروب لا ترغب حقاً في خوضها إلا إن اضطرت، والمملكة يهمها استقرار المنطقة ككل وليس استقرار الأوضاع في المملكة فحسب، ونحن لسنا دعاة حرب بل دعاة سلم، ولكن بمقدار سلميتنا نعرف جيداً كيفية دفع الأخطار بعيداً عن تراب وطننا وعن مصالحنا، وهى مصالح المنطقة العربية ككل، والتي في مصلحة جميع دولها تحجيم الخطر الإيراني بقدر المستطاع، والسعي لتقويض أحلامه التوسعية والقضاء على مآربه الخبيثة.

mohammed@dr-mufti.com