-A +A
سعيد السريحي
عشية استيلاء ميليشيات الحوثي على صنعاء أعلنت طهران أن عاصمة عربية رابعة قد أصبحت تابعة وموالية لها، أخذتها نشوة عابرة وقادها جهل بالتاريخ فأعلنت ذلك، ولم تكن طهران تعرف أنها تؤسس بذلك لخروجها من صنعاء كمقدمة لخروجها من بغداد ودمشق وبيروت طال الزمن أو قصر، لم تكن طهران تعرف أن اليمن يمكن لها أن تكون دولة مسلمة سنية أو زيدية أو شيعية، غير أنها مهما تقلبت في المذاهب تبقى دولة عربية، وأن اليمن يمكن لها أن تكون دولة إمامية تقليدية أو دولة جمهورية حديثة، غير أنها مهما اختلفت أشكال الدولة فيها تبقى دولة عربية كما كانت في عهد أئمة اليمن وكما بقيت بعد الثورة.

وحين تنتفض صنعاء وتحتشد حاشد وبكيل لإعادة صنعاء إلى حاضنة العروبة فإن صنعاء بذلك تستعيد تاريخها الذي كانت فيه حاضنة للعرب، مهما تفرقوا في آفاق الأرض تبقى صنعاء هي البيت القديم الذي كلما تذكروه هتفوا: لا بد من صنعا وإن طال السفر، ومقتضى العبارة ليس مجاهدة وعثاء الطريق لبلوغ صنعاء وإنما مجاهدة أن تأخذهم الغربة بعيدا عن جذرهم الذي إليه ينتمون وبه يعتصمون حين تتشابه الأمم وتلتبس السحنات، وتأبى صنعاء إلا أن تكون كذلك، فويلٌ لصنعاء وويل للعرب جميعا إن انتهى بهم الطريق إلى اليمن فوجدوا كسرى آنشروان يجلس على عرش بلقيس وأطفال فارس يتراكضون خلف أطلال سد مأرب.


لذلك كله انتفضت صنعاء حفاظا على شرفها وتاريخها وعروبتها وعلى العرب جميعا، انتفضت لكرامة شرعيتها الأولى والأخيرة أن تبقى عربية كما تريد لنفسها وكما يريد لها العرب جميعا أن تكون، صنعاء التي تأبى أن تكون العاصمة العربية الخاضعة لفارس خلعت عن معصميها أسوار كسرى وبعثت للعواصم العربية الثلاث التي لا تزال تدين لإيران برسالة واحدة: متى دوركم كي تثأروا لعروبتكم؟