-A +A
عبدالرحمن الثابتي
بمناسبة ذكرى الاستقلال اللبناني في عام ١٩٤٣ لا بأس هنا أن نتذكر مواقف الرياض تجاه لبنان بعرض تاريخي، وعلى ألسنة اللبنانيين أنفسهم، فبعد صراع طويل مع المتصرفية العثمانية والانتداب الفرنسي في لبنان ونزوعها نحو الاستقلال بخطى متعثرة تارة وسريعة تارة أخرى، وحيث كانت لبنان تمر بصراعات لبنانية يغذيها الانتداب الفرنسي، بميله نحو توجيه الدولة اللبنانية حديثة الاستقلال، وفرض دستور لبناني ومحاولة التأثير على الشخصيات اللبنانية المنتخبة كأول رئاسة وحكومة لبنانية فعلية وإن كانت لم تتخلص من شوائب الاحتلال الفرنسي وتدخّل منتدبيها آنذاك ولكنها كانت أولى لحظات الاستقلال على أي حال ولم تشهد لبنان حالة استقلال حقيقية قبل ذلك.

كان الرئيس بشارة الخوري المتخصص في القانون والذي حصل عليها من فرنسا عام ١٩١٢ يجاهد مع نخبة من المناضلين معه ومنهم رياض الصلح -الذي تولى رئاسة الحكومة فيما بعد- كانوا يجاهدون من أجل تعديلات دستورية تغير من تأثير الانتداب الفرنسي في لبنان وحكومته المستقلة حديثًا، ولكن الانتداب لم يتحمل هذه النزعة التحررية وزج بحكومة ورئيس الجمهورية بشارة الخوري في السجن وعين إميل أده رئيسا للجمهورية، ولكن الشعب اللبناني قال كلمته ورفض ذلك ونزل للشوارع في رفض للوصاية الأجنبية على لبنان، وهو الآن سيرفض الوصاية الإيرانية كما سبق له رفض الوصاية الفرنسية والعثمانية واتحدث هنا عن اللبنانيين المستقلين السياديين الذين لا يخضعون لولاية الفقيه وأذرعها الإرهابية في لبنان متمثلة في ميليشيا حزب الله الإرهابية التي تسعى لتصدير الفوضى لكافة أرجاء الوطن العربي.


يذكر بشارة الخوري أول رئيس منتخب في لبنان أنه في أول نيسان أرسلت لبنان وفدين إلى الرياض وبغداد للحصول على اعتراف باستقلالها وللحصول على دعم يساعدها في تمثيل نفسها كدولة مستقلة، وكان لها ذلك حيث اعترفت بها الرياض والوفد لم يغادر العاصمة، وهذه الوقفة يثمنها اللبنانيون الشرفاء كموقف رئيس في دعم الجمهورية اللبنانية المستقلة حديثًا.

وفي عام ١٩٨٩سعت الرياض لإيقاف الحرب الأهلية الدامية والتي استمرت لقرابة 15 عاما وقامت بتجميع الفرقاء في مؤتمر الطائف الذي نتج عنه اتفاق الطائف، وتوقفت الحرب الأهلية بجهود السعودية وبمباركة عربية، ونتج عنه ما أطلق عليه اللبنانيون الجمهورية الثانية وتم تعديل الدستور على إثرها لنزع فتيل الفتنة الطائفية عام ١٩٩٠، وساهمت الرياض في استقرار لبنان بكل ما تملك من النفوذ السياسي والاقتصادي، وكانت دوما مع الاستقرار اللبناني والسيادة اللبنانية دون محاولة الاستفادة من نتائج ذلك على أي صعيد يذكر.

وفي عام ٢٠١٥ قامت الرياض بتقديم هبة قوامها ما يقارب أربعة مليارات متمثلة في أسلحة فرنسية للجيش اللبناني يتم استيرادها من دولة فرنسا، من أجل بناء الجيش اللبناني بما يحافظ على قوته واستقرار لبنان في بيئة غير مستقرة، والآن في عام ٢٠١٧ وبعد تغول إيران في الداخل اللبناني ومهاجمة الدول العربية ومحاولة اختطاف اليمن بعد سوريا والعراق، لم يجد الرئيس الحريري دولة يمكن أن تنقذ لبنان من هذا الشبح الإيراني الطائفي إلا الرياض ليحط رحاله فيها ويعلن استقالته منها، وتوجه لها بعد أن وجد نفسه عاجزا عن تسيير أمور حكومته بسبب ميليشيا حزب الله الإرهابية، والتي وجهت أسلحتها للداخل اللبناني، بعد أن زعمت لسنوات أنها حركة مقاومة مستقلة، لتعود الرياض وتعلن دعمها لاستقلال لبنان ولتقطع النفوذ الإيراني الذي طالت يده التخريبية كل البلدان العربية، ووصلت صواريخها للرياض، في تحد لكل الأعراف الدولية ولتثبت إيران أنها مجرد ميليشيا يطلق عليها مسمى دولة، كل هذه المواقف وما زال هنالك من يزايد على مواقف الرياض!