-A +A
جبير الجبير
تعرضت أحد مساجد الطائفة الصوفية في مصر يوم الجمعة الماضي لهجمة إرهابية شبيهة بالهجمات التي استقصدت مساجد الشيعة في المملكة قبل عامين.. رغم وجود فوارق كبرى تكتيكيا كعملية إرهابية متقنة.. إضافة إلى القوة التدميرية والجاهزية التامة للمواجهة المباشرة مع رجال الأمن، وقد قامت جماعة من مجندي تنظيم داعش مكونة من ما يقارب الـ(30) رجلاً باستهداف مسجد قرية الروضة شمالي سيناء.. وأسفر الهجوم عن استشهاد قرابة الـ(300) شخص وجرح ما يزيد على (120)، حيث أبرزت المقاطع عن قصدية القتل الوحشي.. وتعمد إيقاع أكبر قدر من القتلى والجرحى والإجهاز على الناجين.. في هذه العملية التي استمرت أكثر من 20 دقيقة.

بكل صراحة.. لم يكن لهذه العملية أن تتم بهذه الدموية و«الجرأة» لولا قناعة تنظيم «داعش» بنجاحها! خاصة بعد قيامه بعمليتين سابقتين كبلونتي اختبار لكافة مكون مجتمع سيناء الشعبي منه والحكومي.. حين استهدف في إحدى عملياته قتل (7) مسيحيين في مدينة العريش شمالي سيناء مطلع هذا العام.. سبقتها بأيام ذبح اثنين من شيوخ الطائفة الصوفية أواخر العام المنصرم، ومن خلال احتمالات هاتين العمليتين تشجع التنظيم للقيام بما هو أكبر.


تقوم منهجية تنظيم داعش على تشويه صورة الإسلام في كل عملياته، وهذا ما استخدمه تحديدا حين كان ينفذ عملياته داخل المملكة منذُ أن بدأها في عام 2014 بحسينية للشيعة في قرية الدالوة بالأحساء، تسببت في مقتل (8) أشخاص وإصابة مثلهم، ثم أتبعها في عام 2015 تفجير مسجد بلدة القديح في محافظة القطيف، نتج عنه وفاة (19) شخصا وإصابة (100).

فظن التنظيم حينذاك أنه نجح في تنفيذ عملياته من الناحية التكتيكية.. لكنه صدم بعدم تحقيق ردة الفعل المطلوبة في أهم معاقل المجتمع الشيعي (الأحساء/‏القطيف)، مما دفعه إلى معاودة الكرة بعدها بعدة أشهر.. في عملية أوسع استهدفت عدداً كبيراً من المصلين داخل مسجد العنود بالدمام الذي يتسع لـ(5000) مصل أثناء صلاة الجمعة، لكن يقظة رجال الأمن والمصلين حالت دون دخول الانتحاري للمسجد، وإقدامه على تفجير نفسه في موقف للسيارات.

وعليه نلحظ عددا من نقاط الالتقاء التي تجمع بين ما حصل سابقا في المملكة وما يحصل حاليا في مصر من تشابه في الفكر الإجرامي لتنظيم داعش وتصاعد عملياته الإرهابية.. هدفها الأهم التدرج في تسلل الشعور المحبط عند المواطنين عن ضعف أجهزة الأمن الداخلي وكسر لهيبة الدولة والإضرار بسمعة المملكة ومصر الخارجية بما يؤثر في تعطيل عجلة التنمية والعمل على إنهاكهما مما يسهل القضاء عليهما لاحقا.

ولا يغفل عن بال أحد بأن هذا النوع من العمليات الإرهابية تقوم في أساسها على ضرب اللحمة الوطنية وإذكاء الروح الطائفية وتأجيج الصراعات المذهبية في أوساط العامة من سكان تلك المناطق.. خاصة بعد أن فرشت له الأرضية المناسبة لذلك وتم تعزيزه بشكل مستمر من مصدرٍ غير خافٍ عنا طوال السنوات الماضية.. وعندما فشلت في تحريك الشارع الشيعي في السعودية نقلت فكرتها وأدواتها ومسرح عملياتها إلى مصر لتحريك الطائفة الصوفية ذات الثقل الحقيقي في المجتمع المصري بما يمثله من انتشار في كافة المحافظات وتقلد عدد من أتباعه مسؤولية الكثير من أجهزة المؤسسات الدينية والرسمية.

وبالنسبة لقرب الممرات الآمنة في اعتقادي فهو أهم نقاط الالتقاء الإستراتيجية التي لا يمكن لأي متابع لما يجري من أحداث تجاهلها.. وهذا الارتباط الوثيق في اختيار مناطق العمليات الإرهابية للتنظيم بالممر الآمن مهم جدا لعدة اعتبارات.. فالأحساء والقطيف مثلا قريبة من قطر! أما قرية الروضة بسيناء فهي مرمى حجر من غزة.. فخاصية قرب الممر الآمن وإن لم تسهل على تلك الجماعات الحصول على الدعم والإمداد والتواصل وخيارات اللجوء الآمن فيكفي بأنها باعثة لمشاعر النجاة لديها.. وهذه المزايا لا تتوفر في عمق بلد كبير كالسعودية ومصر أو أطرافهما.

على كل حال.. العمليات الإرهابية فشلت فشلا ذريعا في تحقيق مبتغاها في المملكة وستفشل كذلك في مصر.. فغالبية الشعوب العربية اليوم أضحت تعي ما يدور حولها وما يحاك ضدها.. وأن ما يجري لا يرتبط بالشيعة أو الصوفية أو أي توجه ديني، كما أنها لا ترتبط بأي رابط إنساني أو دافع أخلاقي محققا لما يرجوه دعاة الفتنة الذين انطلقوا من منصات إعلامية ومنظمات مشبوهة سعت لتغيير واقع الشعوب تحت شعاري نشر الديمقراطية ومكافحة الفساد!! والمضي قدما في طريق دعم التنظيمات الإرهابية المتطرفة ومطالبة الشعوب العربية الاصطدام بالأنظمة الحاكمة.. فما كان لهؤلاء الدعاة إلا أن تعيش الواقع الفعلي الذي تعيشه اليوم داخل السجون وإدراج الفارين منهم في قائمة المطلوبين المطاردين حول العالم.

dr.jobair@gmail.com