مطالبات بالحفاظ على التراث والآثار في اليمن من جرائم الانقلابيين
مطالبات بالحفاظ على التراث والآثار في اليمن من جرائم الانقلابيين
-A +A
«واس» (باريس)

نظمت المندوبية الدائمة للجمهورية اليمنية لدى اليونيسكو اليوم ندوة مشتركة مع مركز الخليج للأبحاث تحت عنوان «الحفاظ على التراث والآثار في اليمن والمساعدات الإنسانية في ظل الأزمة الإنسانية» وذلك في مقر المنظمة في العاصمة الفرنسية باريس، بحضور سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الجمهورية اليمنية محمد آل جابر، وسفير الجمهورية اليمنية لدى فرنسا الدكتور رياض ياسين، وسفير الجمهورية اليمنية لدى اليونيسكو الدكتور أحمد صياد، ورئيس مركز الخليج للأبحاث الدكتور عبدالعزيز بن عثمان بن صقر، والمتحدث الرسمي باسم قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن العقيد الطيار الركن تركي المالكي، ومدير العلاقات والشراكات الدولية في مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الدكتور يحيى الشمري، وعددٌ من المسؤولين في المنظمة والأكاديميين والإعلاميين.

وأكد سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الجمهورية اليمنية محمد آل جابر في كلمة له أن المملكة حريصة على إنقاذ الشعب اليمني، من جرائم ميليشيا الحوثيين واعتداءاتهم على الإنسان اليمني وانتهاكاتهم التي تهدد أمن وسلامة اليمن وتشكل تهديدًا وجوديًا للموروث الثقافي الإنساني والحضاري اليمني من خلال استغلال ميليشيا الحوثيين وصالح للأماكن والآثار ذات الأهمية التاريخية والحضارية كمراكز عسكرية وتعريضها للاستهداف، مبيناً أن هناك تعليمات أصيلة لدى قوات التحالف تنص على عدم المساس بالإرث الثقافي للجمهورية اليمنية والإرث التاريخي لها.

وأشار إلى أن المملكة أوقفت في عام 2011 م حربًا أهلية في اليمن، بعد إطلاقها المبادرة الخليجية لنقل السلطة سلميًا من الرئيس على عبد الله صالح إلى الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، وأسست المبادرة الخليجية للمرحلة الانتقالية، كما دعت إلى حل وطني شامل بين جميع الأطراف وجميع مكونات المجتمع اليمني للعمل من أجل مستقبل اليمن، بمشاركة جميع العناصر اليمنية، مضيفاً أن الشعب اليمني تمكن من إيجاد حلول تؤدي إلى الاستقرار وتضع نهاية لقضايا استمرت لتاريخ طويل من الصراع بين اليمنيين أنفسهم مثل قضية صعدة وقضية الجنوب وذلك بدعم دولي، حيث بدأ اليمنيون، تنفيذ نتائج الحوار الوطني وشرعوا بصياغة الدستور، ودعوا إلى إجراء استفتاء عام إلا أن إيران تدخلت في تلك اللحظة لتدمر آمال اليمنيين، وتهدم الجهود السياسية بدعم ميليشيات الحوثي ماليًا وإمدادهم بالأسلحة والذخائر والصواريخ البالستية وذلك بدعم من الرئيس المخلوع صالح الذي يطمح للعودة إلى السلطة عن طريق أحد أبنائه أو إخوانه.

وأضاف:"أنه وبعد احتلال الحوثيين لصنعاء في يوم 21 سبتمبر 2014، طلب الرئيس عبدربه منصور هادي من المملكة العربية السعودية ودول التحالف المساعدة في إنقاذ اليمن والشعب اليمنى من الميليشيات والتدخل الإيراني، حتى لاتتحول اليمن إلى دولة تمزقها الحرب الأهلية وتنتشر فيها الجماعات الإرهابية، مؤكداً أن المملكة ودول التحالف وجدوا أنفسهم وسط حرب ضرورية ولا خيار آخر أمامهم لمساعدة الحكومة اليمنية الشرعية في التصدي لمشروع الميليشيا الحوثية المدعومة من إيران الذي يهدد أمن وسلامة اليمن والمنطقة ويهدد الإرث الثقافي والتاريخي لليمن من خلال العبث المستمر بالتراث اليمني واستمرار القصف العشوائي وعمليات النهب المنظمة ووجود ما يسمى بالسوق السوداء مع شركاء دوليين لتهريب وبيع التحف والقطع ذات الأهمية التاريخية الإنسانية والدينية".

ولفت السفير جابر الانتباه إلى أن الميليشيات الانقلابية عمدوا لتخريب المدارس، كما نهبوا المتحف الوطني في منطقة «كريتر» في قلب مدينة عدن، بعد أن تعرض لقصف شديد، ونهبوا محتوياته التي تزيد على 5 آلاف قطعة أثرية، كما قصف الحوثيون العديد من المواقع الأثرية في تعز بالمدفعية الثقيلة، مثل مقر الهيئة العامة للآثار والمتاحف التي تضم العديد من القطع والمخطوطات النادرة التي أتت عليها نيران الحرائق جراء القصف العنيف، ولم يسلم سد مأرب، أبرز معالم اليمن التاريخية والأثرية الذي يعود تاريخه إلى بدايات الألفية الأولى قبل الميلاد، من عمليات التخريب حيث دأبت الميليشيات الانقلابية على قصفه بعد انتقال المعارك إلى محافظة مأرب التي فشل الحوثيون في السيطرة عليها.

وبيّن أن كل هذه الممارسات العبثية تتم في ظل الفوضى السياسية التي تسببت بها الميليشيات الحوثية وبدعم إيراني يعيق كل المسارات نحو إيجاد حل سياسي مبني على المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرار الأممي 2216 لاستكمال العملية السياسي وعودة الأمن والاستقرار إلى اليمن ويحفظ التراث اليمني الإنساني الحضاري، مشيراً إلى أنه لا يمكن أن يتم السماح بتدمير هذا التراث الإنساني العميق، ولا يمكن التساهل مع ميليشيات تسعى لنشر الفوضى والجهل بشواهد إنسانية وحضارية وتاريخية بل يجب التصدي لها بحزم ومنع استمرار عمليات النهب والتهريب ومكافحة وجود السوق السوداء وحفظ تراث اليمن لليمنيين، الأمر الذي لن يتحقق إلا بتكاتف الجهود الدولية نحو تحقيق حل سياسي ينهي هذه الفوضى والفراغ وتوجد من خلاله الآليات اللازمة للمحافظة على التراث ومواجهة الممارسات التخريبية والتدميرية للميليشيات الحوثية، ومكافحة استمرار عمليات السرقة والتهريب وحفظ المؤسسات التراثية اليمنية وبناء الشراكات اللازمة للتعاون الدولي لدعم الدولة اليمنية والمؤسسات اليمنية للعمل بجد نحو تحقيق هذه الأهداف.

من جهته، استعرض المتحدث الرسمي باسم قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن العقيد الطيار الركن تركي المالكي جهود تحالف دعم الشرعية في اليمن للحفاظ على الإرث التاريخي والثقافي لليمن، مشيراً إلى أنه منذ أكثر من عامين على بدء العمليات العسكرية لدعم واستعادة الشرعية في اليمن، حيث تتواصل جهود التحالف للحفاظ على تراث وثقافه اليمن، ليس لكونها اليمن فقط ولكنها أصل العرب وأرض الحضارة، فكما حافظ التحالف على العاصمة البديلة «عدن» من السقوط بأيدي الانقلابيين لإبقاء رمزيه الدولة الدستورية فإنه من الواجب الأخلاقي والقانوني الحفاظ على مقدراته ومكتسباته التاريخية والثقافية التي تعبر عن الهوية الوطنية كما أنها ملك للبشرية والأجيال القادمة.

وأكد أنه قبل بدء عمليات التدخل العسكري باليمن وعند صدور التوجيهات الاستراتيجية من القيادة العليا للتحالف جاءت في مضامينها نصاً وتفصيلاً بعدم استهداف المواقع التاريخية والأثرية، لافتاً الانتباه إلى أن القوائم تضم عدم الاستهداف بالداخل اليمني أكثر من (42000) نقطة كان من ضمنها (68) موقع للأماكن التاريخية والتراثية والثقافية بالمحافظات اليمنية ليتم المحافظة عليها من خلال تطبيق أعلى معايير الاستهداف وحساب الأضرار الجانبية التي تحظر استهداف هذه الأماكن.

كما استعرض المالكي أمام الحضور قوائم وخارطة عدم الاستهداف للتحالف والخاصة بالأماكن التاريخي والتراثية والمحمية بموجب القانون الدولي والإنساني.

وبيّن أن المليشيات الحوثية المسلحة استغلت التزام التحالف بعدم استهداف هذه الأماكن واتخاذها أماكن آمنه لها لاستخدام وتخزين الأسلحة والذخائر ومهاجمة القرى والمدن اليمنية الآهلة بالسكان في خرق واضح وصريح للقانون الدولي الإنساني ومواده الخاصة بحمايتها من تبعية وآثار النزاع المسلح، ومن الأمثلة على ذلك ما قامت به الجماعة الحوثية من وضع أحد مضادات الطائرات من نوع (ZSU-23/2) بمحيط قلعه القاهرة في مدينه تعز وتعمدت استهداف المدنيين الآمنين بهذا السلاح.

وأوضح أن التحالف قام مؤخراً بتبادل بعض المعلومات الاستخبارية الواردة مع الحكومة اليمنية الشرعية بشأن قيام أحد الشخصيات الحوثية المعروف بنشاطها في تجارة الأسلحة بالاستيلاء على بعض مقتنيات المتحف الوطني بصنعاء والمتاجرة بها لغرض جني الأموال، مجدداً إلتزام التحالف الكامل بالمحافظة على الأماكن التاريخية والتراثية وثقافة اليمن من خلال تطبيق القانون الدولي الإنساني، بالإضافة إلى الالتزام الأخلاقي تجاه اليمن وتجاه ثقافتنا وإرثنا التاريخي العربي الأصيل والذي هو امتداد للتاريخ البشري.

بدوره أكد سفير الجمهورية اليمنية لدى فرنسا الدكتور رياض ياسين أنه لا بد الحفاظ على الآثار التاريخية في اليمن لأنها شأن إنساني يهم الجميع، ويجب الحرص عليها ورعايتها والوقوف في وجه العابثين وإدانتهم من الميليشيات والجماعات المتطرفة والمتمردين الذين يرفضون الدولة المدنية وكل مقومات الوطن والهوية الوطنية، مضيفاً أن اليمن تعرض لانقلاب غادر غير تقليدي قاده تحالف مكون من جماعة متمردة حاولت الحكومة استيعابها من قبل وإرجاعها إلى حضن الوطن ورئيس سابق قرر أن ينتقم من الجميع وأن يقلب الطاولة على كل اليمنيين الذين تشاوروا حولها في مؤتمر الحوار الوطني الذي كان صفحةً بيضاء ونموذجاً في السجل السياسي اليمني بشهادة الأطراف الراعية لهذا الحوار وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجموعة الدول الثمانية عشر التي تابعت مجريات العملية الانتقالية ومؤتمر الحوار خطوة بخطوة وحتى انقلاب الحوثيين والمخلوع صالح.

وشدد السفير ياسين على أنه بالرغم من صدور القرار الأممي 2216 عقب الانقلاب والذي يمثل خارطة طريق أولية ترتكز على المرجعيات الرئيسية ويطلب من الحوثيين إيقاف عملياتهم العسكرية والانسحاب من المدن ومؤسسات الدولة والمعسكرات وتسليم السلاح الثقيل والعودة إلى العملية السياسية إلا أن إيران ووكلائها في المنطقة لم تحترم هذا القرار ولم يلتزم الانقلابيون به وتمادوا في غيهم بتهديد الممرات الدولية والغريب أن الكثير من المتابعين والمهتمين بالشأن اليمني غضوا الطرف عن هذه الحقائق وذهبوا إلى نقل رواية انتقائية مجتزأة للأحداث وتناسوا الجريمة الأولى بحق اليمنيين وهي الانقلاب الذي ترك اليمن فريسة للفوضى فانزلقت البلد على إثره إلى وضع مؤلم يدفع ثمنه المواطنين الأبرياء ويستفيد منه بعض تجار الحروب والإرهابيين وتشكّلت لدى الحوثي وصالح شبكة مصالح تنتفع من ألآم اليمنيين ومعاناتهم وتبتز المجتمع الدولي.

وأوضح أن التراث اليمني يتعرض لتخريبٍ واسع النطاق جراء هذه الحرب الانقلابية على يد الانقلابيين والجماعات المتطرفة الإرهابية التي تحاربها الدولة اليمنية بلا هوادة بينما يوجه النقد والاتهام على نحوٍ مجحف وغير منصف صوب التحالف العربي الداعم للحكومة اليمنية والشعب اليمني أو صوب الحكومة والمقاومة اليمنية التي تخوض حرباً لم تختارها بل فرضت عليها.

وبيّن أن الهدف من هذه الندوة الوقوف على الكثير من الحقائق وتبيين واقع الحال ومقدار الانتهاكات التي تطال اليمن إنساناً وثقافةً للخروج عن الصورة النمطية في الحديث عن الحرب أو الأوضاع الإنسانية في اليمن، بالإضافة إلى الوصول إلى الحل الأمثل للمساعدات الإنسانية إلى المحتاجين دون أن تصبح سلعاً للبيع في السوق السوداء أو تصل إلى جبهات القتال والقناصة ويحرم منها المواطنون النازحون ومن تعطلت أعمالهم وانقطعت مصادر رزقهم نتيجة الحرب، مشيراً إلى أن هذه الندوة دليلٌ على أن الحكومة اليمنية ومعها التحالف العربي بقيادة المملكة لا يتهربون من مسؤولياتهم ويقومون بعمليات تقييم ومراجعة مستمرة لتفادي الأخطاء التي قد تحصل هنا وهناك.

من جهته، تطرق مدير العلاقات والشراكات الدولية في مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الدكتور يحيى الشمري في كلمته إلى جهود المملكة العربية السعودية الإغاثية ممثلة بمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في رفع المعاناة عن الشعب اليمني، مؤكداً أن المملكة قدمت حتى تاريخ الْيَوْمَ 715 مليون دولار أمريكي فقط في المساعدات الإنسانية وذلك في عدة قطاعات ومنها الغذاء والتعليم والصحة والمأوى، كما أن المملكة وفي مجال مكافحة الكوليرا لبت النداء الأممي لجمع 66,7 مليون دولار أمريكي وكذلك دعم المركز القطاع الطبي اليمني بالأدوية واللقاحات وبلغت نسبة التشافي أعلى من المعدل العالمي المتفق عليه ب 99,7 %.

كما نوه رئيس مركز الخليج للأبحاث الدكتور عبدالعزيز بن عثمان بن صقر إلى أن أخطر ما يشهدهُ اليمن تحت الانقلاب الحوثي هو محاولة طمس تاريخ هذه الدولة ومحو ثقافته وتدمير تراثه واستئصال الهوية العربية الموغلة في عمق تاريخه الإنساني منذ حضارة سبأ وحمير وغيرها، وكذلك تفكيك وتفتيت وحدة الشعب اليمني وغرس مفهوم الطائفية وثقافة الاقتتال ولغة الاحتراب المشؤمة وانصراف الشعب اليمني عن التنمية والتعايش السلمي إلى لغة الدم.

وأوضح أن الميليشيات الانقلابية تقوم بتدريس المبادئ الطائفية في المدارس وترسيخ الانتماء الطائفي وعدلت المناهج بما يخدم التخندق والانشقاق المذهبي، وافتتحت أقساماً لتعليم اللغة الفارسية في الجامعات اليمنية التي تحت سيطرتهم وإذاعات مسموعة ومرئية لخدمة المشروع الحوثي الإيراني في حملة لمحو الثقافة العربية اليمنية واستبدالها بالفارسية في قلب الجزيرة مهد الحضارة العربية منذ بدء الخليقة.

وشدد على أن ما يقوم به التحالف هو محاولة لإنقاذ اليمن من الضياع وفقدان الهوية، والحيلولة دون تكريس ثقافة الطائفية ونشر الإرهاب والتشرذم وسرقة مقدرات شعب ودولة لتكون غنيمة لعصابةٍ باعت وطنها بثمن بخس لإيران تحت تأثير شهوة السلطة، والرشوة على حساب وطن له تاريخ وحضارة تشهد بها الإنسانية.

بدوره أكد مسؤول الشؤون السياسية في السفارة اليمنية لدى فرنسا مصطفى الجبزي في كلمته أن الميليشيات الانقلابية تمارس عملية غسيل لنهبهم للآثار اليمنية من المتاحف والمواقع الذي يستخدمون معظمها لأغراض عسكرية تخرجها من صفتها القانونية كأعيان مدنية يمنع قصفها أو تدميرها، مشيراً إلى أن التراث اليمني يتعرض من قبل المتمردين الحوثيين إلى تنقيب ونبش عشوائي وسوق سوداء ومتاجرة بالآثار لتمويل الحرب، ومازالوا يدمرون المواقع الأثرية، ويفرغون المتاحف في عمليات تصفية ممنهجة.

وأضاف أن العديد من المتاحف في المدن التي سيطرت عليها الميليشات الانقلابية بقوة السلاح تتعرض إلى القصف والنهب ومن أشهرها المتحف الوطني بحي كريتر قلب مدينة عدن الذي تعرض لقصف شديد من قبل الميليشيا الانقلابية، كما قامت بعد الوصول إليه بنهب محتوياته التي كانت تزيد على خمسة آلاف قطعة تعود إلى مختلف مراحل التاريخ اليمني القديم والحديث والمعاصر، وتم كذلك نهب المتحف الحربي بصنعاء وهناك صور توثق جانبًا من ذلك النهب.