-A +A
عبدالرحمن الطريري
من المقرر أن يبدأ الرئيس عون اليوم الاثنين مشاورات تهدف لمناقشة أسباب استقالة الحريري، ساعيا لتحقيق انفراجة لاتؤدي لسقوط الحكومة، بحسب ما وعد الرئيس سعد الحريري بعد عودته إلى بيروت، وتجميده لاستقالته تحت عنوان التريث.

يبدو أولا أن الوزراء التابعين لمحور حزب الله، يبتعدون عن أي مشاركة عربية، قد تجعلهم إما يوافقون على البيانات الختامية التي تصنف حزب الله إرهابيا، وهذا محرج لهم لبنانيا، أو يتحفظون على تصنيف الحزب، فيكون هذا الأمر محرجا لهم عربيا.


لكن الموضوع أبعد من ذلك، فغياب جبران باسيل وزير الخارجية عن اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، بعد جولة أوروبية حاول فيها الإساءة للمملكة، ثم غياب يعقوب الصراف وزير الدفاع، عن اجتماع وزراء دفاع التحالف الإسلامي بالرياض أمس، يشير إلى أن حلفاء حزب الله في الحكومة، بدأوا ينأون بنفسهم عن العمل العربي، مما يعني ضمنا الذهاب أبعد نحو الأجندة الإيرانية للحزب.

صحيح أن نصر الله في كلمته التي أعقبت اجتماع وزراء الخارجية العرب، حاول أن يشير إلى أنه مظلوم في بعض الإرهاب المنسوب إليه، لكنه مقر ببعضه، على قاعدة أن المواطن اللبناني قد يقبل من الحزب المشاركة العسكرية في سورية، لكنه سيقف ضده ويعتبر تدخله في اليمن استعداء للسعودية وبعيدا عن المصالح اللبنانية الوطنية.

وقد ذكرني خطاب نصر الله بكلمة للرئيس جورج دبليو بوش يقول فيها: «يمكنك خداع بعض الناس كل الوقت، وهؤلاء هم من تود التركيز عليهم»، فالأكيد أن الوعي العربي تجاوز خطابات حسن نصر الله، فبين 2006 واليوم سقطت الكثير من الأقنعة، وضاق المدى الجغرافي لتأثير كلماته عربيا، بسبب المجازر التي ارتكبها في سورية أكثر من أي مكان آخر.

وإذا ما كان حزب الله تمويلا وقرارا تتحكم به إيران، حسب ما أقر نصر الله في كلمة سابقة، فإن أول رد على التريث، كان تصريح قائد الحرس الثوري الإيراني «محمد علي جعفري»: بأن نزع سلاح حزب الله غير قابل للتفاوض، وقد ذهب بعض المحللين اللبنانيين إلى أن هذا التصريح موجه للغرب خصوصا الولايات المتحدة وفرنسا، ولا يعني الشأن اللبناني، بل يحاول منع الغرب من وضع أي قيود على صواريخه البالستية.

لكن السياق الإيراني منذ شهر أكتوبر الماضي، أي قبل استقالة الرئيس الحريري، كان في اتجاه التأكيد على أن القرار اللبناني يصدر من طهران، هذا ما صرح به الرئيس روحاني، ثم جاء لقاء مستشار المرشد علي أكبر ولايتي، ليصرح بعد لقاء الحريري وقبل استقالته بيوم واحد، بأن ما حدث في شمال لبنان وفي سورية من «انتصارات»، هو تأكيد على انتصار محور المقاومة، مما يعني أن لبنان كل لبنان لا خيار له بأن يكون خارج هذا المحور، ولقول هذا الحديث من أمام منزل الحريري رمزيته بالطبع.

اللافت لبنانيا أننا لم نسمع الكثيرين يشتكون من أي ضرر أصاب كرامتهم، خلال كل التصاريح الإيرانية حول لبنان، ولاسيما تصريح جعفري الذي أتى في فترة المشاورات الحكومية حفاظا على الاستقرار، وكأن لسان الحال يقول، إن استقالة الحريري من السعودية إهانة لكرامة لبنان، وتحكم إيران في لبنان عبر سلاح حزب الله، واتخاذها قرار الحرب والسلم عوضا عن الحكومة اللبنانية.

أعتقد أن موضوع الكرامة موجود في الذاكرة القريبة اللبنانية، جربها مع السوريين حتى 2005، والمضحك أن من يستدعي موضوع الكرامة هم من كان يحركهم غازي كنعان ورستم غزالة، لكن مجددا الكرامة لم تكن إلا بهارا وضع على نهج إعلامي استهدف التركيز على شكل الاستقالة وليس معناها الحقيقي باستقلال القرار اللبناني.

اليوم بعد التريث يحمل الحريري ورقة بيضاء، لإعادة مسار الحكومة اللبنانية بعيدا عن المحور الإيراني، لكن في حال فشل هذا الأمر، كما بدأت المؤشرات من إيران ومن حلفاء الحزب إعلاميا تشير لذلك، فأعتقد أن المملكة يجب أن يكون لها وقفة مختلفة تجاه لبنان.

فمن غير المقبول أن يكون حزب الله مشاركا في الحكومة اللبنانية، ومشاركا في إطلاق الصواريخ من اليمن على المملكة، وهذا الفعل يمس أمن المملكة، كما أن كلمات أمين الحزب تمس كرامتنا أيضا، فعلى أقل تقدير يجب أن نتصدى لذلك بعقوبات اقتصادية كبيرة، فيبدو أن حرص المملكة الدائم على أن لا تزر وازرة وزر أخرى، يفهم بطريقة خاطئة في بيروت.