-A +A
عيسى الحليان
توماس فريدمان صحفي وكاتب أمريكي شهير، يوصف بأنه واحد من أبرز وأهم كتّاب الرأي العام على الصعيد الدولي، والذي غالباً ما تثير آراؤه السياسية جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية وتحديدا في الشرق الأوسط، غير أنه يظل صانع رأي عام مؤثر في الولايات المتحدة، حيث تنشر مقالاته في أكثر من 100 صحيفة حول العالم، بما في ذلك «نيويورك تايمز» و«فورين أفيرز» و«جلوبال تريد» وغيرها من صحف ومجلات النخب السياسية، لدرجة أنه وُصف ذات مرة بأنه «مفتي» البيت الأبيض، هذا الرجل دأب طوال السنوات الماضية يكتب عن المملكة منتقداً رغم زياراته المتكررة لها، لكن سمو الأمير محمد بن سلمان غيّر أخيراً كثيراً من قناعاته المطلقة حول المملكة، لدرجة أن صحيفة «العربي الجديد» وصفته بالطبعة الجديدة من توماس فريدمان!

في لقائه مع الأمير محمد، والذي كان أهم وأخطر لقاء صحفي بعد حملة الفساد في البلاد، والذي تلقفته كل صحف ووكالات العالم، كان الأمير واضحا وشفافا، ففي حين كان فريدمان يقول، في مقال سابق، إنه عندما كان العالم يمر بتغييرات سريعة في مجال العولمة وعمليات التغيير كانت حكومة المملكة (آنذاك) تعتقد بأن سير عمليات الإصلاح بسرعة 10 أميال كان كافياً، عاد وغيّر من لهجته تماما قائلاً في مقاله الأخير، الذي جاء بعنوان «الربيع العربي في المملكة»، إن عملية الإصلاح المهمة في الشرق الأوسط تجري حالياً في المملكة، وإنه لم يكن يتوقع أن يعيش حتى يشهد مثل هذه اللحظة في العربية السعودية، مضيفاً أن الأمير محمد بن سلمان نجح بإحداث «خضة» إيجابية هائلة الصدى أنقذت المملكة من «موت بطيء»، على حد قوله!


فالمعلومات التي أدلى بها سمو الأمير محمد أماطت اللثام عن كثير من التكهنات، ووضعت النقاط على الحروف في ما يتعلق بحملة مكافحة الفساد، وهي أخطر معلومات تطرح بهذا الوضوح والثقة السياسية وبكل ما تحمله من شفافية غير معهودة عن حجم الفساد في المملكة، والذي وصفه بـأنه كان يمثل 10% من الموازنة العامة، وإن كان سموه متحفظاً جداً في طرح هذا الرقم، على ما أظن.

ما ذكره سمو الأمير في ثنايا هذه المقابلة وما أدلى به من معلومات، لا تكرس فتحا جديدا في مكافحة الفساد وحسب، وإنما دخول حقبة جديدة وغير مسبوقة من عمليات الإفصاح المالي، فما طرحه من أرقام وضعت حداً لبعض التكهنات والتفسيرات الخاطئة، وجاءت في وقتها المناسب لتضع المملكة في قلب الأحداث العالمية في سبيل حملتها الجديدة على الفساد والإصلاح المالي ولتحتل بها افتتاحيات الصحف الدولية وعناوين البرامج السياسية في العالم أجمع.