-A +A
علي صالح العمري
للكون أنظمة تضبطه وللحياة سنن تحكمه، وللبشرية معتقدات واتجاهات ومبادئ وعادات تكوّن في مجملها منظومة أخلاقية وعرفية تصل أحيانا للقدسية، تمثل قاعدة لبناء نسيج اجتماعي، ومنطلقاً لتعاملاتهم وسلوكهم الإنساني، ومنبع إلهام لممارساتهم الحياتية وتفاعلاتهم الاجتماعية، ومعيارا ضمنيا يعتمد عليه للحكم على أقوالهم قبولاً أو رفضاً وأفعالهم حسناً أو قبحاً، وإطاراً محدداً لتوجهاتهم وثوابتهم الثقافية والحضارية.

عليه فإن الفرد البشري هو اللبنة الأساسية المكونة للنسيج الاجتماعي وعماده، وعلاقاتهم هي نتاج سلوكهم المبني على منظومة القيم - وأعني بها - الفطرة السوية التي تتبنى كل خلق حسن وعمل محمود وسلوك مرغوب وبوتقة تنصهر فيها كل معاني الإنسانية، على ألا يشترط تطابق جميع القيم والمبادئ للأفراد مع المنظومة العامة في شبكة تعاملاتهم النمطية والتنظيمية، لأنها تخضع لمؤثرات وعالم من المتغيرات ويكتفي بانسجامها وتكاملها داخل النسيج الاجتماعي بما يعزز من علاقاتهم التي أهم ما يميزها ديناميكيتها وتداخلاتها المستمرة، التي تقتضي ارتكازها على أحد أهم قيم المنظومة وهو مبدأ الثقة فهي أصل للتواصل بالآخر ذلك المبدأ الذي يستشعر بالحدس ويتأكد أو ينسف بالمواقف.


فالثقة مسألة محورية بالغة الحساسية في التعاملات داخل النسيج الاجتماعي بها تبُنى العلاقات السليمة والجسور المتينة، إذا سارت حسب المطلوب وفي الاتجاه الصحيح، ومع تعاقد وتشابك العلاقات قد تسير في اتجاه عكسي، فحينما يميد ويحيد البعض عن التزاماتهم بالعهود والمواثيق بكل وقاحة واستخفاف ويتخفى الآخر خلف عباءة الإصلاح لينسج خيوط الفتن والفرقة ليشعل ناراً لا تبقي ولا تذر، وحينما يكشف آخر عن قناعه ونوازعه حال تتهيأ له الفرصة ليعقد الاتفاقات على حوائج المحتاجين ليحقق صفقات الذل والخذلان وعندما يتفرق ويتبعثر من ظُن أنهم أصدقاء مع أول شده لينجلي سلوكهم المتناقض، ويُدخل البعض الشك والريبة في تعاملاته ويقدم سوء النية على صفائها ويستخدم الآخر أسلوب المراوغة والمخادعة دون أن يرف له جفن معتقداً أنها شطارة وأن اللعب على الحبلين مهارة، حينها ستسود حالة من الارتباك وتكثر التساؤلات والاستفهامات وتتوالى الصدمات من أفاعيلهم.

عندها فقط يبدأ مستوى الثقة بالانحدار والانكسار ويرتفع مصطلح الخداع والنفاق ويطغى الحذر والنفور ويعم الغموض، ويغرق الكثير في وحل الظنون وتختلط الأمور، فلا يعرف الصادق من الكذوب ولا الخائن من الأمين وتنحرف بوصلة الوعي فتصبح محل الشكوك مهما علت الأخلاق ورسخت الأقدام فتضيق دائرة التسامح والتصالح ويختل التوافق والانسجام، وتبدأ كرة الثلج بالتدحرج فتحاك المؤامرات وتبدأ الهجمات وتزداد المناكفات وتعلو الصراعات وتكثر الانقسامات وتكون الملُاسنات أوضح علاماتها والمشاحنات أول نتائجها فيختلط الحابل بالنابل فيترهل النسيج ويعتل لما أصابه من أزمة ثقة.

ali32250@hotmail.com