-A +A
حمود أبو طالب
فضيحتان مخجلتان في مجال الخدمات الصحية استأثرتا باهتمام الصحافة قبل يومين، يصعب الحديث عنهما معاً لأنه سيطول كثيراً وسيكون مؤلما جداً، لذا سنختار الأكبر منهما، والأكثر تمادياً في تجاهل الأنظمة والقوانين وأخلاق مهنة الطب، بل والأخلاق الإنسانية عموما وقيم الضمير والمسؤولية والنزاهة في مجال الخدمة العامة.

وقبل أي شيء، يطل سؤال كبير برأسه وعنقه وجسده كله، مستفسراً متسائلاً متعجباً محتاراً: كيف استطاعت تلك المدينة الطبية ارتكاب كل تلك المخالفات الجسيمة دون أن تضبطها وتحاسبها جهتها المرجعية؟. بالتأكيد يستحيل أن تكون تلك الجهة على غير علم لأنها هي التي تُقر وتعتمد مخالفات المدينة غير الفاضلة، وهي التي تصرف المبالغ المالية في مسيراتها، وهي المسؤولة عنها أولاً وأخيراً، ولذلك يمكن القول دون تجاوز إن المدينة لم ترقص بذلك السفور إلا لأن مرجعيتها تضرب الدفوف وتتفنن في تنويع الإيقاعات التي تنوع على وقعها الفساد. ولذلك، تجب محاسبة «الراقصة والطبال» معا، لا الراقصة وحدها، هذا إذا كان هناك حساب وعقاب.


لقد خالفت هذه المدينة الطبية أوامر سامية ومراسيم وقرارات وأنظمة ولوائح واستحدثت لوائحها الخاصة وصممت (عشرة) سلالم للرواتب لتصعد عليها الرواتب والبدلات والعلاوات والمكافآت الحقيقية والوهمية والمزورة بصورة خيالية جعلت بعض الرواتب (الأساسية) تتجاوز مئة ألف ريال، وضاعفت بعضها عشرة أضعاف في فترة قصيرة جداً بمقياس التدرج الوظيفي.

وبكل تأكيد فإن هذه المدينة الفاسدة إداريا ومالياً لن تكون نزيهة وجيدة طبياً، أي أن الضرر مركب، فساد في المال العام وفساد في صحة الناس، ولو تم البحث الجاد الدقيق عن تأثير تلك المخالفات على جودة الخدمة الطبية لاكتشفنا خطورة الجناية الكبرى التي ارتكبتها المدينة بحق المرضى.

نحن الآن في مرحلة التعامل الصارم مع الفساد، والفساد في مجال الصحة كارثة ماحقة تجرمه كل الديانات والتشريعات والقوانين لأن ثمنه حياة الإنسان. وأعرف جيداً أن هذه المدينة لن تكون الوحيدة، لكن لو بدأنا بها وهدمناها فوق رؤوس مفسديها لارتعدت فرائص المفسدين في المرافق الأخرى، وصححوا أوضاعها سريعا.

وفي النهاية، لا نريد لهذه القضية أن تمر كقصة صحفية وينتهي الأمر كما كان سابقا، نريد متابعة هذه الفضيحة وتشريحها وكشف المتورطين فيها ومساءلة الجهة المسؤولة عنها عما تم اتخاذه بشأنها من إجراءات. لا بد أن يحدث هذا وإلا فإن «كائناً من كان» يعود لارتداء طاقية الإخفاء.

habutalib@hotmail.com