-A +A
وليد عرب هاشم
أطلت علينا صحيفة الديار اللبنانية قبل بضعة أيام بمانشيت ضخم بأن السعودية (لولا النفط لكانت إبلا وخياما)، وهذا عنوان مقال طويل عريض، وهو مقال رأي وليس خبرا أو حدثا، إذ إنه لا يقدم أي حقائق أو أحداث ويكتفي بوجهة نظر للقائمين على هذه الصحيفة، وبالتالي كان يفترض أن يكون جزءا من صفحات الرأي، إلا إن كانت الصحيفة تحولت بالكامل إلى صحيفة آراء ومواقف معينة وليس صحيفة أخبار.

وأي رأي بالطبع يمكن أن يكون صحيحاً أو خطأً، ويمكن أن يرد عليه، ولكن من كثرة المغالطات في هذا المقال فإن الرد عليه سيكون أطول من اللازم، وبالتالي يكفينا أن نرد على المغالطات في العنوان فقط؛ فهذه الكلمات الست بحد ذاتها فيها ما يكفينا من الأخطاء.


وأبدأ أولاً بالقول إنني كمواطن سعودي لا أرى في هذا العنوان أي إساءة، فالإبل والخيام هي جزء من أصلنا ونحن فخورون بأصلنا ونعتز به بعكس من يخجل من أصله، هذا إن كان يعلم ما هو أصله أساساً.

ولكن يبدو أن أصحاب المقال قصدوا الإساءة أو الاستفزاز بهذا العنوان بأن ليس هناك شيء في السعودية إلا إبل وخيام لولا النفط، ولذا وجب التوضيح بأن السعودية ليست فقط ما قالوا، فهي أيضاً مهبط الوحي وبها أطهر وأقدس بقاع الأرض، وفيها أول بيت وضع للناس، ومنها انطلقت آخر رسالة سماوية، وإلى هنا يحج ملايين الناس ويعتمرون، وإلى هنا يستقبل مئات الملايين من الناس قبلتهم في كل صباح.

أكثر من مليار مسلم حول العالم يعرفون ما هما مكة والمدينة ويعرفون أين تقعان في المملكة العربية السعودية، وأكثر من مليار آخر يعرفون ما هو الإسلام ويعرفون كيف أفاد العالم في مختلف المجالات ونشر العلوم والثقافة والنور وحافظ على مكتسبات الحضارات القديمة عندما كانت أوروبا في عصور الظلام، وكانت أمريكا لم تكتشف بعد من قِبلهم.

ولا يجهل بأهمية الجزيرة العربية ودورها منذ قدم التاريخ إلا جاهل أو حاقد، ولا يجهل فضل الإسلام ودوره وانطلاقته من الجزيرة العربية إلا الذي لا يعنيه الإسلام في شيء، وربما كان القائمون على صحيفة الديار كذلك.

وحتى قبل رسالة الإسلام وبعثة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم فإن الجزيرة العربية هي أساس العرب والعروبة، فمن هنا العرب أتوا وإلى بلاد العرب - من البحرين إلى المغرب - هاجروا واستقروا، وأيضاً نجدهم في مختلف دول العالم.

ومن أهم العوامل المشتركة بين العرب أينما كانوا هو افتخارهم بأنسابهم، فلو سألت أي أسرة عربية تفتخر بعروبتها سواء كانت في المغرب أو السودان أو حتى في خارج الدول العربية لوجدتها تسرد لك نسبها من جزيرة العرب، ولكن ربما القائمون على صحيفة الديار ليس لهم علاقة بأنساب العرب، ربما كانوا من نسل الفرس أو الغزاة الصليبيين أو كانوا أساساً لا علاقة لهم ولا علم بأنسابهم، وهؤلاء بالتأكيد يتضايقون من ذكر الأنساب ولا يعطونها أي أهمية.

بالتالي حتى دون النفط فإن الجزيرة العربية بصفة عامة والسعودية بصفة خاصة لها ما تفتخر به أمام كل الأمم والحمد لله، ولكن أتى بعد ذلك النفط ليضيف على أمة أعزها الله، فأتى لأناس- والحمد لله - لديهم قيم ولديهم أخلاق يعتزون بأصلهم، وبالتالي تصرفوا كما يتصرف أي صاحب قيمة، فأنفق على شعبه وحرص على رفاهيتهم، وهكذا ارتقت الجزيرة العربية في العهد السعودي من بلد كان يتصدق عليها أهل المغرب وأهل المشرق إلى بلد توزع صدقاتها وزكواتها وفوائض أموالها على كافة دول المعمورة، فالمملكة العربية السعودية هي من أكبر الدول المانحة للمساعدات في العالم.

والنفط لم يأتِنا نحن وحدنا؛ النفط كان موجوداً في العراق وكان موجوداً في إيران من قبلنا، وهناك دول تنتج وتصدر نفطا أكثر منا، ولكن الحمد لله في هذا البلد كانت هناك قيادة استطاعت بفضل الله تحويله من بلد فقير متخلف إلى مصاف الدول المتقدمة بحيث نجد حالياً أن ميزانية واحدة من الشركات السعودية لوحدها تفوق ميزانية الحكومة اللبنانية بأكملها، وكذلك تفوق ميزانية عدة دول حول العالم، وهنا لا أقصد شركة أرامكو ولكن من الشركات المتداولة في سوق الأسهم لدينا.

ولا يخفى على أحد - والحمد لله - القوة السياسية والعسكرية والدينية والاقتصادية والاجتماعية التي يتمتع بها هذا البلد إلا إن كان هذا الشخص جاحدا أو حاقدا، وربما كان أهل صحيفة الديار من هذا النوع.

وفوق هذا وذاك يكفينا أن نوضح أن هذا البلد فيه بيت الله، وهذا يكفيه، لأن أي جهة عبر التاريخ تآمرت على بيت الله كفانا الله دائماً شرورها. بالتالي لو نظر أهل صحيفة الديار إلى التاريخ أو السياسة المعاصرة أو الاقتصاد الحديث أو غيره من العلوم وحاولوا مقارنة المملكة العربية السعودية مع غيرها من الدول لوجدوا فعلاً أنها ليست بلد إبل وخيام فقط، ولم تكن عمرها كذلك، فهذا ليس صعباً على أي جاهل أن يراه ويتعلمه، ولكن إن كان حاقداً فقد يكون صعباً عليه؛ فالحقد يعمي.

mailto:walid@rotana.net