-A +A
أنمار مطاوع
مهنة الطوافة يعود تاريخها إلى أواخر القرن التاسع الهجري –أو كهذا يؤرّخ- وإن كانت كممارسة لابد أنها بدأت قبل هذا التاريخ بكثير، ولا يوجد ما يمنع من القول إنها بدأت من السنة 11 هجرية! هذه المهنة مرت بأطوار متعددة: تغييرات وتطويرات وإضافات عبر التاريخ الهجري. وفي عهد الملك عبدالعزيز، بدأت مرحلة جديدة للطوافة، إذ أخذت طابعا مؤسسيا ممنهجا، ووضعت لها شروطا ومواصفات وفُتح المجال لتسجيل الراغبين في الالتحاق بالمهنة رسميا من الممارسين السابقين والراغبين الجدد الذين تنطبق عليهم الشروط والمواصفات. تلك الخطوة التنظيمية هدفت إلى تحقيق النتيجة النهائية على أكمل وجه؛ وهي (خدمة حجاج بيت الله). هذه الجملة بين قوسين هي الأهم في كل قضية الطوافة. الطور التنظيمي الأخير للمهنة هو (مؤسسات الطوافة) التي تتفرد بخدمة الحجاج القادمين من الخارج حسب جنسياتهم.

المعنى هنا ليس الاحتكار.. فـ(الاحتكار) كممارسة في سوق العمل ومجال الخدمات لا يدخل في شيء إلا شانه.. فهو يؤدي إلى ضمور المنافسة وانعدام المحفزات.. وبالتالي.. عدم الاهتمام بجودة المنتج المقدم أو الخدمة.


بالتأكيد هذا لا ينطبق على مؤسسات الطوافة.. ولو انطبق على بعض الأفراد في المهنة مما أساؤوا لها بتجاوزاتهم وتحديهم للأنظمة والقوانين -حسب ما تنشره وسائل الإعلام قبل وخلال وبعد كل موسم حج- فهذا لا يعني التعميم أو تغيير الواقع من أجل تجاوزات يحاسب عليها فاعلها.

السؤال: هل المرحلة القادمة تتطلب تطوير مؤسسات الطوافة؟ بمعنى؛ لو نظرنا إلى الطوافة من مبدأ أنها: مهنة البقاء للأفضل وليس للأقدم؟ هل الأفضل هو استمرار مؤسسات الطوافة كما هي الآن لمواجهة الرؤية المستقبلية؟ أم أن المرحلة ورؤية المملكة خلال العامين القادمين والعقد التالي بعده تتطلب التطوير لمواكبة تلك الرؤى؟ من المؤكد أن المطوف الواثق من معرفته وخبرته وأدائه للمهنة سيهمه التطوير ولن يقلق من المنافسين؛ لأنه هو من يملك (المعرفة) لأداء تلك المهنة، وسوف يتفوق على (كائن من كان) يدخل المهنة.

تغيير مسمى المؤسسات أو إعادة هيكلتها أو تطويرها لن يؤثر على المطوف المتميز -وهذا هو المطلوب بقاؤه في المهنة أساسا-، بل الجيدون منهم - وهم كثر ولله الحمد- سيستفيدون من أي تطوير أو إضافة؛ لأنهم يضمنون أن المنافسة ستكون لصالحهم. الجيد المتميز لا يخشى التحديات.. فهو الرابح دائما في كل الجولات.. والميدان هو الحكم. أما من لا يؤدي الأمانة كما أمره الله سبحانه وتعالى.. فكلنا نتفق أن مكانه ليس في مواجهة مصالح العباد، خصوصا لو تعلق الأمر بأمانة وضعها الله في عنق الدولة وولي الأمر لإتمام شعيرة من شعائر الله. هذا الأخير هو من سيكون في المنطقة الرمادية.. وهو من سيدخل حرب تكسير العظام من أجل بقاء الوضع على ما هو عليه؛ لأنه سينكشف وستضيع مصالحه -القائمة على التجاوز وليس الجودة- في ظل المنافسة.