-A +A
خلف الحربي
في طريق ما وفِي ليلة ما كان صوت الشاعر العفوي يتسلل بين الأشجار: (تخوفني مشاوير الطريق المظلم المهجور).. كان الخوف هذه المرة يتخذ شكلا جديدا حيث تحول من شعور مفاجئ مربك إلى نمط حياة وأسلوب عيش، إنه الخوف الذي يصنعه ألم الفقد حين تجد عقلك لا يتوقف عن استعادة صور الغائبين حتى تظن أنك تائها في أرض الغياب.

عرفت مساعد الرشيدي -رحمه الله- قبل نحو 30 عاما يومها كان ضابطا حديث التخرج وشاعرا يخطو خطواته الأولى في عوالم الشعر، كان شابا ممتلئا بالحيوية محبا للناس كل الناس، وكانت لهجته البدوية العفوية تختلط بلكنة جنوبية اكتسبها من نشأته في خميس مشيط وكان في غالب الأوقات مع رفيق دربه وزميله في العسكرية والشعر الأخ العزيز غازي العكشان.


يومها كانت الحياة بالنسبة لنا أبسط من البسيطة ولَم يكن أحد منا يتخيل إلى أين سوف تأخذنا تقلبات الأيام، حتى الهموم الكثيرة التي من شأنها أن تجعل الحياة أكثر تعقيدا لم تكن تستحق منه أدنى اهتمام فقد كان يتعامل معها على أنها أمر واقع لا فكاك منه، أو كما قال في قصيدة في تلك المرحلة: (أمشي وهمي جبل يمشي معي وين أروح).

ولأن مساعد شاعر مبدع بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى فإنه لم ينتظر وقتا طويلا كي يتحول إلى شاعر مشهور يجبر عشاق الشعر على البحث عن قصائده الجميلة التي تتميز بعفويتها وروحها الجديدة المختلفة عن كل ماهو سائد تلك الأيام.

كبر مساعد وكبرت شهرته معه ولكنه بقي كما هو ذلك البدوي الشهم النبيل المتحمس في كل لحظة لمساعدة كل المحيطين به، وعلى المستوى الشخصي لا أستطيع أن أنسى ما حييت مواقفه النبيلة معي فقد كنت أجده حاضرا قبل أن أبحث عنه.

ولعل سر النجاح الكبير الذي حققه مساعد أنه كان أبعد الناس عن التصنع في حياته وشعره فقد كان يكتب أشعاره بصوت الناس البسطاء الذين يتزاحمون في الطرقات ولكنه كان يعتمد على موهبته الأصيلة في إيصال المتلقي إلى الفكرة العميقة دون تعقيدات لا ضرورة لها.

وفِي عزاء مساعد كنت أدرك أن الموت حق وأننا جميعا سائرون إلى تلك الحقيقة المؤكدة ولكن من هو مثل مساعد عصي على الغياب، إذ يبقى حاضرا في القلب وفِي العقل مهما مرت الأيام.. إنه بالضبط كما قال في ليلة شتوية قبل 30 عاما: (قولي لهم يا عزوتي ما عابنا موت النخيل.. اللي يوافيها الأجل وتموت.. لكن وافقه).

klfhrbe@gmail.com